انشطار أرض “خلافة داعش” في سوريا

247

شفقنا- بيروت- للمرة الأولى منذ إعلان «خلافته» يتعرض تنظيم «داعش» في سوريا لتهديد جدي بإمكان انشطار أرض «دولته» إلى قسمين شبه منفصلين، الأول غرب نهر الفرات والثاني شرقه، مع فقدان خطوط الاتصال وطرق الإمدادات بينهما.
وربما هذا الانشطار هو ما يفسر سببَ الانسحابات المتسارعة التي قام بها التنظيم في ريف حلب الشمالي باتجاه منبج، لأن الانسحاب هو المحاولة الوحيدة المجدية للحفاظ على ما يمكنه الحفاظ عليه، أما العناد والبقاء فيعنيان أن «داعش» قرر أن يغامر، ليس بالأرض وحسب بل بالأرض وبكل ما فوقها من عدة وعتاد ومقاتلين، خصوصاً بعدما أصبحت خطوط إمداده الأخيرة التي يمكنه الاعتماد عليها، قاب قوسين أو أدنى من الخطر الكامل.
وحتى قبل خسارة مدينة منبج، التي تستعد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) لاقتحامها، ربما خلال الساعات المقبلة، فإن العملية العسكرية الكردية أدّت عملياً إلى قطع التواصل بين الرقة والحدود التركية، كما جعلت خط الإمداد شبه الوحيد من الرقة نحو مناطق سيطرة التنظيم في ريف حلب الشرقي والشمالي هو ذاك الذي يمر عبر مدينة الطبقة. وهنا وجد «داعش» نفسه أمام التقدم السريع وغير المتوقع الذي قام به الجيش السوري على محور أثريا ـ الطبقة، ولم يعد يفصله سوى أقل من 20 كيلومترا قبل أن يصل إلى أوتستراد الرقة ـ حلب. وسيطرة الجيش السوري على هذا الاوتستراد، حتى قبل وصوله إلى مطار الطبقة أو المدينة، سيوجه ضربة قاصمة لخط إمدادات «داعش» الأخير، وستصبح مناطقه الشاسعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي معزولة، إلا من بعض الطرق الثانوية التي لا تكفي لتأمين ما تتطلبه جبهات القتال من احتياجات متزايدة.
وكانت «قوات سوريا الديموقراطية» قد استكملت تطويق مدينة منبج، بعدما تمكنت خلال الأيام السابقة من انتزاع السيطرة على عشرات القرى في أريافها الثلاثة، الشمالية والشرقية والجنوبية. وآخر هذه القرى ما سيطرت عليه، أمس، وهي المنكوبة وشويحة الخزناوي. وبالتالي أصبحت مسألة اقتحام المدينة مسألة وقت وحسب.
ولكن متحدثاً باسم «قسد» تذرّع بالمدنيين وحمايتهم لتبرير التريث قبل اقتحام المدينة، رغم تأكيده أن «القوات» قادرة على دخولها وقتما تشاء. وذلك في وقت سارع متحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين للتحذير من أن «دخول قوات سوريا الديموقراطية إلى منبج سيزيد التوتر العرقي في المنطقة». وكانت أنقرة قد أشارت سابقاً إلى امتلاكها ضمانات أميركية بعدم دخول عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى مناطق غرب الفرات، ووجوب خروجهم منها فور انتهاء المهمة الموكلة إليهم. وهو ما يشير إلى أن المانع دون اقتحام المدينة حتى الآن قد يكون متعلقاً باعتراضات تركيا على نوعية القوة التي ستقوم بالاقتحام، وضمان عدم بقاء المقاتلين الأكراد داخل المدينة بعد السيطرة عليها.
وقد عادت إلى الحياة مجدداً بعد غياب طويل، بعضُ الهياكل الاجتماعية والسياسية المدعومة تركياً، ولكنها توقفت عن العمل في منبج منذ عامين، لتعود أمس وتصدر بيانات شجب واستنكار وتصف العملية الكردية بأنها «احتلال». ومع ذلك فمن المتوقع أن تبدأ عملية اقتحام المدينة بأي وقت، بغض النظر عن الموقف التركي.
من الجهة الأخرى، استمر تقدم الجيش السوري على محور أثريا ـ الطبقة، وأصبح بعد سيطرته على قرية خربة زيدان يبعد عن مفرق الطبقة حوالي خمسة كيلومترات، وعن مطار الطبقة أقل من 20 كيلومتراً. ولا يحتاج الجيش للسيطرة على المطار أو المدينة لقطع خط إمداد «داعش»، إذ بمجرد وصوله إلى أوتوستراد الرقة ـ حلب يكون الخط قد انقطع تلقائياً، وبالتالي تصبح مناطق سيطرة التنظيم في ريفي حلب الشمالي والشرقي، والتي تعادل تقريباً مساحة محافظة إدلب، معزولة ومنفصلة عن مناطق سيطرته الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات.
هذا الواقع، على ما يبدو، فرض على تنظيم «داعش» اتخاذ قرارات سريعة ومصيرية، لأنه لا يستطيع المخاطرة بحصار عدد كبير من مقاتليه، خصوصاً أن المؤشرات خلال اليومين الماضيين دلت على وجود تسوية كبيرة بين بعض الدول لإيجاد حل لمدينتي مارع وإعزاز، وإبعاد خطر التنظيم عنهما. لذلك لم يكن أمام «داعش» سوى الانسحاب من قرى ريف حلب الشمالي، مثل كفركلبين وكلجبرين، ما يعني فك الحصار عن مدينة مارع التي هاجمها التنظيم سابقاً بكثير من المفخخات من دون أن يتمكن من اقتحامها. كما انسحب من قرى جارز، يحمول، بريشة، كوبري، يني يابان، غزل، لتحل محله الفصائل المسلحة وعلى رأسها «لواء المعتصم».
وقد كان لافتاً أن الفصائل «الثورية» في مدينة مارع اتخذت قراراً مفاجئاً بعد منتصف ليل أمس الأول يقضي بالاندماج في ما بينها، تحت مسمى أكثر هذه الفصائل شهرة ودعماً من قبل الولايات المتحدة، وهو «لواء المعتصم». وجاء ذلك بعد ساعات من تأكيد ممثلين عن بعض مؤسسات الإغاثة أن هذه المؤسسات ستستأنف عملها أمس، بعد توقف دام لأكثر من أسبوعين، كما جاء بعد قيام طائرات التحالف بإلقاء مساعدات عسكرية فوق مارع، وبعد أيام أيضاً من انقضاض «الجبهة الشامية» على التشكيل الجديد الذي اتخذ لنفسه اسم «ألوية النصر»، حيث تم اعتقال قائده أحمد الفتوح بتهمة التعامل مع روسيا. فكان واضحاً أن ثمة قراراً بإنهاء حالة حصار مارع قبل اجتياح مدينة منبج للحفاظ على الحد الأدنى من التوازنات بين بعض الأطراف الإقليمية المعنية.
عبدالله سليمان علي-صحيفة السفير

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.