خاص _ الحج..بين تشرذم الأمة وأولوية الوحدة

1367
خاص شفقنا- بيروت-
الحج ومناسكه طريق عبادية تحتضن أسمى تجليات الرحمة الإلهية، فترى القلوب والنفوس تتهافت من كل حدب وصوب إلى تلك البقعة المقدسة، حيث بيت الله المبارك، الذي من دخله كان آمنا، استجابة لنداء السماء {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]،رافعين بذلك شعار العبودية الخالصة لله تعالى، مجسدين معاني الوحدة والأخوة الإيمانية بينهم، التي لا تكاد توجد في أي تجمع من تجمعات الكتل البشرية في هذه الأرض.
أهداف الشعائر
ولكل الشعائر العبادية أهداف وضعها الله سبحانه وتعالى أمام الإنسان، وجعلها مفتاحا لإحداث نقلة نوعية في النفوس وانتشالها من مستنقعات الدنيا إلى بر الأمان الإلهي المقدس، ومن هنا يقول المدير العام السابق للاوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة لـ”شفقنا” أن عادة الإسلام أن تجد في تشريعاته جوانب عبادية محضة، التي تتضمن القيام بما أمر به الله سبحانه وتعالى بما يؤمن الصلة بين العبد وربه، وجوانب اخرى تنقسم إلى قسمين الأول يتعلق بتزكية الإنسان لنفسه والسمو بها أخلاقيا وأدبا وتعاملا ومعاملة، مما يجعله إنسانا راقيا ومسلما كما ينبغي أن يكون المسلم. أما القسم الثاني فيشمل العلاقة بين الفرد ومن هم حوله أي المجتمع الذي قد يضيق ويتسع حسب الظروف والمعطيات، واليوم الارض كلها أصبحت مجتمعا واحد تقريبا.
الحج يكسر كل الحواجز
القاضي الشيخ علي سرور
بدوره يؤكد القاضي الشيخ علي سرور لـ”شفقنا” أن موسم الحج ليس طقسا عباديا خالٍ من أي مضمون أو مغزى انما يتضمن أبعادا عديدة أولها أن الناس فيه تلتقي في ذلك المكان المقدس متجاوزة حواجز القوميات والمناطقيات واللغات وغيرها،والجميع يكون همه السعي لتحصيل رضا الله عز وجل والظفر برحمته وعفوه، مشيرا إلى أن الغذاء الروحي الذي يجب على الحاج ان يحصّله خلال اداءه للمناسك، والذي يتمثل بحرصه على تحسين خلقه والتعارف على الآخرين والشعور بهم على قاعدة أن الإنسان أخ للإنسان. لافتا إلى أن الله غني عن عبادتنا وانما يريد منه أن يثقفنا ويؤدبنا، فمن خلال الصلاة ننهى عن الفحشاء والمنكر، ومن خلال الحج يريدنا أن نعود إلى تاريخ الإنسانية ومحاربة الشيطان ومؤاخاة الآخرين.
الحج والوحدة
والوحدة الإسلامية جانب من جوانب الحج الذي هو المقام الطبيعي لإعلان القضايا الاجتماعية، ولذلك أعلنت أهم أمور الإسلام في مناسبات الحج، ومن أمثلته إعلان البراءة من الكفار والمشركين والذي تم بعد نزول سورة التوبة، إضافة إلى أنه يجتمع الناس بصنوف ألوانهم وقومياتهم وجنسياتهم ومذاهبهم وميولهم جنبًا إلى جنب من دون أي فارق، وفي هذا السياق يؤكد الشيخ خليفة أن الحج أراده وشرعه الله أن يكون حجاً وحدوياً، وبالتالي لو فهم المسلمون جميعا المراد من المناسك التي يؤديها الحج بدءاً من الاحرام والتلبية الجماعية ومن الطواف الواحد وصولا الى وقفة عرفة الموقع الذي يجسد الوحدة الكاملة في يوم واحد، لأدركوا أن هذا المكان هو مكان للتلاقي والتقارب وزوال الفروقات، مشيرا إلى أن أولوية الامة اليوم هي الوحدة، لان كل ما نعانيه اغلبه ناتج عن تخاذل وتراجع وهجوم الاعداء علينا وتسلطهم على مقدراتنا بسبب تشرذم الامة وتفتتها.
الشيخ هشام خليفة
ولفت الشيخ خليفة إلى أننا بحاجة إلى القناعة وإلى أن تعيش هذه القضية الوحدوية في وجدان الأمة ككل، ليس في قولها فقط بل وعلى أرض الواقع أيضا، متمنيا أن يلهم الله المسلمين الفهم الحقيقي لمعنى التنوع والاختلاف الذي يجب أن لا يوصل إلى خلاف.
غياب الخطابات التي تلامس هموم الامة
ومن جانبه اعتبر القاضي سرور خلال الحديث عن الخطاب الوحدوي المطلوب وجوده اليوم في موسم الحج وأهميته أن الدول الاسلامية لا تستفيد من هذا الأمر ولا تعمل على تفعيله، فتغيب الخطابات السياسية والإجتماعية التي تلامس هموم الامة والمسلمين، مؤكدا أن الحج يفترض أن يعقد فيه مؤتمر إسلامي يجتمع فيه كل رؤساء هذه الدول كما كان يحصل أيام الخلفاء والامراء في التاريخ الاسلامي القديم، ويتباحثون بأخطاء العام المنصرم والعمل على معالجتها، إلى جانب وضع خطط وخريطة عمل للأعوام القادمة.مضيفا أن الإسلام لا يريدنا أن نكون متقوقعين على أنفسنا ومجتمعاتنا كمسلمين، بل يريدنا أن نعمل وفق الأبعاد الإنسانية وأن ننظر إلى الإنسان كإنسان أحببنا ذلك أو كرهناه.
وبما أن الحج هو فريضة عبادية على كل مسلم ومسلمة، ندرك تماما بأن الله يريد لنا من خلال فرائضه العبادية أن نكون امة واحدة ونعمل على ترسيخها في أنحاء الأمة الاسلامية،مصداقا لقوله تعالى في القرآن الكريم “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء 92)، اذا فهذا منهج رباني، وهدي نبوي، جاء به الإسلام، وأرساه قيمًا، وسلوكًا، وعملاً، وعبادة في كافة نواحي الحياة، فما من عبادة، أو خلق إسلامي، أو أمر دنيوي إلا وتجد فيه الدعوة إلى الوحدة، والتوحيد، وتجسيد روح الترابط، والمساواة بين الأمة.
مهدي سعادي – شفقنا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.