القلعة ودير سمعان.. تزوير إسرائيلي لآثار فلسطين

721

مستوطنة من الشرق وأخرى من الشمال وثالثة حديثة العهد تحاصر خربة دير سمعان الأثرية من الغرب، وتطوقها كما لو أنها ثكنة عسكرية يحرم على الفلسطيني الوصول إليها، ويباح للمحتل الإسرائيلي مستوطنا كان أم مدنيا أو عسكريا ذلك.

فقبل أسبوعين أصدرت إسرائيل قرارا عسكريا يقضي بمصادرة أراضي قلعة دير سمعان ودير قلعة الواقعة بين أراضي بلدتي كفر الديك ودير بلوط في مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، لتحويلها إلى مناطق ترفيهية ومتنزهات للمستوطنين ولتزوير واقعها الأثري كحضارة تعاقبت عليها عصور البيزنطيين والرومان والإسلام.

على أرض الواقع لا تحتاج إسرائيل للإخطار بالمصادرة، فهي تفعل ذلك أصلا، لكنها تريد تبرير التهويد ولتجميل صورتها أمام المؤسسات الحقوقية والقانونية.

جانب من منازل المستوطنين في مستوطنة ليشم التي تظهر وهي جاثمة فوق أراضي خربة دير سمعان (الجزيرة)

يشتد الصراع أكثر هذه الأيام في خربة دير سمعان، ويواصل المواطن الفلسطيني فارس الديك (40 عاما) تصديه للاحتلال ومشاريعه الاستيطانية، فأرضه -حيث تقع القلعة الأثرية- تعد آخر ما تبقى من أراضي المواطنين غير المصادرة.

من أصل 20 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) تعود للمواطن الديك -وهي آخر ما تبقى من أراض غير مصادرة في المكان- سيصادر الاحتلال 6 دونمات هي موقع دير سمعان بقرار عسكري، وما تبقى منها سيضع يده عليها تدريجيا بحكم الأمر الواقع كما حدث بسابقها.

جزء من شواهد دير سمعان الأثرية التي صادرها الاحتلال (الجزيرة)

وصاية بالقوة
يستغل الديك عطلته الأسبوعية كمحاضر جامعي يومي الخميس والجمعة لزيارة أرضه ويستميت دفاعا عنها، ويقول للجزيرة نت إن خطورة قرار الاحتلال اعتباره أن المصادرة “لصالح الجمهور”، وكأنه يقصد النفع أيضا للفلسطينيين، وهذا غير صحيح مطلقا.

والأخطر -حسب الديك- أن الاحتلال يعتبر نفسه وصيا على دير سمعان، لوقوعها ضمن مناطق “ج” الخاضعة لسيطرة إسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى مصادرة بقية الأرض التي أصبحت على شكل “حذوة حصان” محاطة من كل الجهات بالمستوطنات.

الجزيرة نت رصدت وعبر جولات ميدانية التغييرات المتسارعة التي أحدثتها مستوطنة ليشم والمستوطنات الثلاث الجاثمة فوق الموقعين الأثريين، دير سمعان ودير قلعة.

ونتيجة لذلك، لم يعد وصول الفلسطينيين للمكان سهلا، فالمستوطنون يهاجمون المواطنين ويعتدون عليهم، وهو ما حال دون تنظيم الشاب عبد الله داود من قرية دير بلوط مساراته وجولاته السياحية فيها.

بركة رومانية أثرية في خربة دير سمعان (الجزيرة)

“أسرلة” المكان
ويرصد داود عن كثب تسارع عملية الاستيطان هناك، ويقول للجزيرة نت إن الاحتلال صادر قبل فترة وجيزة 20 دونما، لبناء شقق سكنية ثمن الواحدة منها أكثر من 300 ألف دولار أميركي، وروج لذلك تحت شعار أن “المكان يطل على الساحل الفلسطيني وعلى مواقع أثرية وأشجار الزيتون”.

من 17 ألف دونم هي مساحة أراضي كفر الديك ومن نحو 50 ألف دونم تعود لدير بلوط لم يتبق إلا الفتات من الأرض، وكلها صادرها الاحتلال لصالح جداره العنصري و4 مستوطنات هي “عالي زهاف” و”بدوئيل” و”بروخين” و”ليشم”.

وأصبح المكان يضيق بسكانه الفلسطينيين الذين لا يجدون متنفسا للبناء بعد انحسار المخططات الهيكلية لقراهم، وأصبحوا -على حد وصف رئيس بلدية كفر الديك إبراهيم الديك- “خارج الجغرافيا الفلسطينية”.

ويقول الديك للجزيرة نت إن إسرائيل تعمل على تزوير المكان والتاريخ والتراث، وإظهاره كأنه يهودي “ولهذا أغلق الإسرائيليون دير سمعان أكثر من مرة ونقبوا فيها ونهبوا آثارا منها”.

أرضية فسيفسائية في خربة دير سمعان (الجزيرة)

يريد الاحتلال ومستوطنوه “أسرلة” المكان وتحويله إلى مقام ومزار ديني لليهود، فقد تعرض الديران (سمعان والقلعة) لأكثر من عملية سرقة طالت خلالها أعمدة حجارة صخرية ومنقوشات وشواهد أثرية تثبت فلسطينية المكان وأقدميته، حتى أنهم نقلوا بعض الحجارة إلى مستوطناتهم واستخدموها في البناء وأخرى في حدائق منازلهم.

وهم بذلك يسعون إلى خلق ارتباط بين مستوطناتهم وتاريخ المكان، وهذا “تزوير” حسب وصف مدير الآثار بمحافظة سلفيت منتصر موسى الذي يؤكد أنهم خربوا في الموقع الأثري أكثر من مرة وسرقوا مقتنياته.

وسمعان والقلعة ديران أثريان عمرهما 1500 عام وتعاقبت عليهما حضارات البيزنطيين والرومان والإسلام، وفيهما شواهد تؤكد ذلك، كالمعاصر والبرك الرومانية والكنائس أيضا، فضلا عن النقوش الإسلامية ومثلها المئات في فلسطين.

مبنى أثري في خربة دير سمعان (الجزيرة)

صراع حضاري وتزوير
تعمل إسرائيل على نفي هذه الصفة التاريخية عن تلك المواقع في المناطق الفلسطينية ونسبتها إليها بحكم وقوعها ضمن مناطق “ج” كما هو الحال في سلفيت التي تحوي 80 خربة أثرية ونحو 300 موقع بين مزار ومقام وقبور ومقاطع صخرية، أكثر من 70% منها وفق منتصر موسى “تحت سيطرة الاحتلال في مناطق ج”.

وفي سلفيت أيضا، ليس الصراع حضاريا وتراثيا فقط، بل إنه ديمغرافي أيضا، فهي المحافظة الوحيدة التي يتفوق فيها حجم الاستيطان وأعداد المستوطنين على عدد الفلسطينيين وقراهم، ففوق أراضيها المقدرة بـ204 كيلومترات مربعة تجثم 25 مستوطنة، فضلا عن البؤر الاستيطانية، يقابلها 17 تجمعا فلسطينيا فقط.

تعمل إسرائيل وبقوة لتجيير الرواية التاريخية لصالحها، وتنقب عن الآثار بحجج مختلفة، لكن قرار مصادرة دير سمعان بذريعة الحفاظ على المواقع الأثرية لم يشهد مثله.

والحالة الوحيدة المشابهة -وفق جمعية “عيمق شافيه” الإسرائيلية التي تناهض سلطات الآثار الرسمية بإسرائيل- وقعت عام 1986 في قرية سوسيا جنوب الضفة الغربية “للحفاظ على كنيس يهودي وفق ادعائهم”.

جانب من خربة دير سمعان الأثرية وتقابلها مستوطنة بدوئيل (الجزيرة)

وقالت الجمعية على صفحتها عبر فيسبوك إن قرار المصادرة في دير سمعان مستهجن لسببين، هما أن صاحب الأرض عمل على الحفاظ على الموقع وتطويره وكان بإمكان الإدارة المدنية الإسرائيلية تطويره مع السكان ولصالحهم، لكنها فضلت مصادرة أراضيهم وإقصائهم عنها.

كما أن القانون الدولي يلزم دولة الاحتلال بالاهتمام بالآثار لصالح المجتمع المحلي، أي الفلسطينيين، فغرض المصادرة سيجعل المستوطنين المستفيدين الوحيدين، ويقصي الفلسطينيين عن أراضيهم.

ويمهل قرار المصادرة صاحب الأرض المواطن فارس الديك 60 يوما للاعتراض القانوني عليه، لهذا فهو -إلى جانب المؤسسات الرسمية الفلسطينية- يواصل الجهود محليا ودوليا وعبر المؤسسات الحقوقية والقانونية -ومنها الإسرائيلية والفلسطينية- لوقف الاحتلال ولجمه، فضلا عن صموده في أرضه وتوثيقه لانتهاكات الاحتلال.

المصدر : الجزيرة

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.