خاص – كيف حافظ الإمام الرضا (ع) على التشيّع رغم سطوة السلطة وبطشها؟

366

شفقنا- بيروت-
لم تكن حياة الإمام علي بن موسى الرضا “ع” حياةً عادية، حالها كحال حياة كل آل بيت النبي محمد “ص”، فطريق الحق كان ولا يزال وسيبقى طريق ذات الشوكة، والسالكون فيه قلة، ومن هنا عاصر الإمام الرضا “ع”خلال فترة إمامته التي استمرت 20 عامًا، 3 خلفاء عباسيين، هم هارون الرشيد الذي عايشه لمدة عشر سنوات، وبعده ولداه الأمين والمأمون الذي كانت شهادته سلام الله عليه على يد الأخير.

معاناة الإمام”ع” كانت جليةً في زمن الخليفة هارون الرشيد، لكن الإمام “ع” والتزامًا منه بوصية والده الإمام الكاظم “ع” التي ركّز فيها على أنّ إظهار ابنه الإمام “ع” للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده، فلذلك لم يُظهر أي تصدٍ علني لمنصب الإمامة ولم يسجّل له أيّ حضور في المجالس والمحافل العامّة، لكن وبعد وفاة الخليفة الأب، تسلم الأمين الحكم، لكنه ولسوء حكمه وتدبيره، احتدم الصراع بينه وبين أخيه المأمون، والذي أدى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم الأمين وقتله، فاستفاد الإمام من هذا الصراع لتهيئة الأرضية لأنصاره ونشر التعاليم الإسلامية الصحيحة في مجتمعٍ ساد فيه الفساد والقتل.

ومع تسلم المأمون، والذي عرف عنه ذكاءه وحنكته وسياسته التي ظاهرها كان دعم أهل البيت وتعاليمهم وباطنها كان المكر والخداع، أسند ولاية العهد للإمام “ع” لأهداف عديدة أبرزها تهدئة الأوضاع الداخلية وامتصاص غضب الشيعة من سلب الخلافة من آل البيت “ع”، وتفريغ أي ثورة يمكن أن يقوموا بها من عوامل القداسة والمظلوميّة اللتين تشكّلان عامل النفوذ الثوريّ في المجتمع الإسلاميّ، إضافة إلى إضفاء المشروعية على الخلافة العباسيّة.

لكن الإمام “ع” كان يقظًا لنوايا المأمون وخططه الذكية الشيطانية فاستطاع من خلال ما قام به خلال توليه لولاية العهد، تحويل خطط المأمون إلى خطط لا فائدة منها، وفي هذا السياق يقول الشيخ سلمان دهيني في حديثٍ خاص لوكالة “شفقنا” إنّ الإمام الرضا “ع” “استطاع أن يوفق بين ولاية العهد وأنّ يبقى وليًا للأمة وذلك من خلال عدة أمور أبرزها: أولًا، أنّه أخبر أهل المدينة بعدم رغبته بالسفر وأنّه مأخوذٌ بالقوة، وقد ظهر ذلك عند توديعه لقبر النبي “ص”، وثانيًا، عند توليه ولاية العهد أيضًا أخبر أصحابه بأن موافقته على هذا المنصب كانت نتيجةً لتهديده بالقتل وسرّب ذلك إلى شيعته وأصحابه”، طبعاً هذا لا يعني أنّ الإمام عليه السلام لأنّه هُدّد بالقتل قبِل بولاية العهد، وكان المأمون قد قال للإمام “ع” “إنّ عمر بن الخطّاب جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وشرط فيمن خالف منهم أن يُضرب عنقه ولا بدّ من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصاً عنه”.

وأضاف: “أما ثالثًا، فكانت من خلال الشروط التي وضعها الإمام والتي أصر فيها على عدم التدخل في أي أمر من أمور الدولة والسياسة، فلا يتدخل لا بتنصيبٍ ولا بعزلٍ ولا يشرف على أي أمرٍ من الأمور، ولقد حاول المأمون أن يطلب من الإمام “ع” أنّ يكتب إلى شيعته ومحبيه في المدينة لدفعهم إلى الهدوء وعدم الثورة والعمل بما لا يرضي الخليفة، ولكن الإمام “ع” رفض ذلك”، ورابعًا، استطاع الإمام “ع” من خلال ولاية العهد أن يعزّز موقع أنصاره ومحبيه ورفع عنهم وعن أهل البيت “ع” الإساءة التي كانوا يتعرضون لها، وخامسًا، استطاع الإمام “ع” أنّ ينشر العلوم من خلال المناظرات والحورات حيث كان يؤكّد دائمًا على دور الإمامة كما في حديث سلسلة الذهب التي أكّد فيها أن الإمامة شرط من شروط التوحيد.

إن ولاية الإمام الثامن “ع” كانت بركاتها التاريخية عظيمة جدًا على التشيّع، وعززت من مكانة العلويين وحضورهم وحقنت دماءهم ودماء المسلمين، فقد نجح الإمام من خلال شروطه لقبول ولاية العهد بسحب اعتراف من المأمون بأحقيّة أهل البيت “ع”، ومنصبه أتاح له تسخير الإعلام لصالحه، وسمح له أيضًا بالحرية بإجراء المناظرات حتى لُقب “ع” بـ “غيظ الملحدين”، ومن هنا أكّد الشيخ دهيني أنّه “في الحقيقة استطاع الإمام “ع” بما اتبعه من خطة قبوله بولاية العهد المشروطة، أن يحفظ الدين والإمامة، ويحفظ شيعته وأتباعه ونجح بنشرعلوم آل محمد صلوات الله عليهم”.

وأشار إلى أنّه “من خلال مواقف الإمام الرضا “ع” نستلهم كيف أنّ الإنسان يحفظ نفسه عن المشاركة مع الظالمين في ظلمهم، فلا تغريه المناصب، ورأينا كيف يحمي رعيته ويحافظ عليها وعلى دينها ودنياها التي جعله الله مسؤولًا عنها وعن كامل شؤونها”.

حياة الإمام الرضا “ع” الإمام الغريب في أرضٍ بعيدةٍ عن ديار جده رسول الله “ص”، كانت ذاخرة وحافلة بالأحداث المفصلية التي رسّخت دعائم الدين المحمدي الأصيل، وثبّتت في عقول الناس من جديد أحقية آل بيت محمد “ص” بالخلافة، وبيّنت المظلوميات التي عانوا منها وتعرضوا لها، كما كان أداء الإمام “ع” مميزًا لناحية تحويله التهديد إلى فرصة لتحقيق كل ما سلف ذكره، فكان قرار الضرورة هنا القبول بما لا يمكن القبول به لتحقيق أقصى درجات الاستفادة في الوظيفة الإلهية الملقاة على عاتق الإمام صلوات الله عليه.

مهدي سعادي – شفقنا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.