خاص شفقنا- بيروت-
يوافق الثامن والعشرون من شهر صفر ذكرى وفاة النبي الأعظم سيد الكائنات محمد (ص)، هذا الرجل الذي كرمه الله بمعجزةٍ خالدة عبر الأزمان، وكانت حياته، رغم كل ما مر فيها من صعوبات، مثالًا يحتذى به في صناعة الإنسان وهدايته وانتشاله من الظلمات إلى النور، بالفعل والقول، بالدين والخلق الحسن، فاستحق النبي “ص” أنّ يكون عنونًا ومدرسةً في تكريس الأخلاق كمسارٍ ديني عبادي يوصلنا لرضا الله عز وجل.
إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق
أعلن النبي “ص” الغاية من بعثته في قوله “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وكذلك قال: “عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله بعثني بها، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده”، وفي هذا السياق وحول السبب وراء أن تكون عنوان بعثة النبي “ص” هي إتمام مكارم الأخلاق، قال الشيخ أمين ترمس في حديثٍ خاص لوكالة “شفقنا” إنّ “الإنجاز الذي تم على يد النبي “ص” خلال مدةٍ وجيزة نسبةً إلى ما قام به الأنبياء وأنجزوه خلال سنوات بل عقود وقرون طويلة، يعد إنجازًا فريدًا في هذه الحياة من بدايتها إلى خاتمتها”، مشيرًا إلى أنّ “النبي “ص” بعث في مجتمعٍ كان صعبًا جدًا لابتعاده عن الدين، وإن كان فيه الكثير من العادات الحسنة، لكنه مع ذلك استطاع خلال هذه المدة القصيرة أن يغير هذا المجتمع، من مجتمعٍ جاهلي إلى مجتمعٍ حضاري، واستطاع أن يبث شعاع النور والعلم والهداية على كل المعمور”.
وأردف: “من هنا نستطيع أن ندرك عظم ما أنجزه رسول الله “ص”، عندما نُقلت هذه الكلمة المشهورة عن النبي “ص” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، كان الله سبحانه وتعالى قد وصفه بالقرآن الكريم وإنك لعلى خلقٍ عظيم، ونحن نعلم بأنّ العرب في شبه الجزيرة العربية قبل بعثة النبي “ص”، كانت عندهم كثيرٌ من العادات الحسنة وعندهم من العادات السيئة، فجاء النبي “ص”، أكّد على التمسك بالعادات الحسنة، ونهى عن تلك العادات السيئة وأمر بتركها”، لافتًا إلى أنه “من العادات الحسنة عندهم كان الصدق والكرم وإغاثة الملهوف، وعدم الغدر، وكان عندهم من العادات السيئة وأد البنات وبيع العبيد وبيع الناس في الأسواق، والغزوات التي كانت تحصل وكان يظلم فيها كثيرٌ من الناس الفقراء والمساكين”.
وأضاف: “عندما يقال بأنّ النبي “ص” بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، هذا يعني أنّ الأخلاق كانت موجودة ولكن تحتاج إلى تتميم، فكان دور النبي “ص” ليس تأسيسًا في كل شيء وبالتالي كانت هناك أرضية موجودة أكّد عليها في القرآن الكريم في أكثر من آية منها ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”، ولذلك نجد بأنّ النبي “ص” تعامل مع الناس بكل ليونة وبكل رحمة، والآيات الكريمة التي وردت في القرآن الكريم أيضًا حثت المسلمين على اتباعه بفضل أخلاقه الحميدة، فهو كان يدعو الناس إلى اعتناق هذا الدين من خلال فعله وليس من خلال قوله فحسب، وكان يسبقهم إلى الفعل قبل القول”.
إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا
لقد اكتسبت “الأخلاق” أهمية كبيرة وأخذت حيزًا كبيرًا من سيرة النبي “ص”، وكذلك حدد الرسول “ص” في وصيته الأخيرة إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي، المسار الذي على الأمة والإنسان المسلم أن يسلكه ليضمن نجاته ويفوز بالرحمة والرضا الإلهيين، ومن هنا يقول الشيخ ترمس إن الله عز وجل قال لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”، فهذه الرحمة التي تعامل بها مع الناس هي التي حببت الناس بالاقتداء بهذا الدين واعتناقه، والاقتداء بالنبي “ص”، لافتًا إلى أنّه “في كثيرٍ من الآحادث، حثٌ على حسن الخلق، إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا كما ورد عن الامام الباقر”ع”، وهناك الكثير من الأحاديث التي وردت في كتبنا وفي كتب المسلمين عامة، تؤكّد على أهمية حسن الخلق، لذا نجد بأنّ النبي لم يدعُ للإسلام واعتناق هذا الدين بقوة السيف، ولم يغرهم بالأموال، إنما أحبوه وأحبوا الدين وهذا الإسلام من خلال الأخلاق التي دعا إليها وجسدها رسول الله على أرض الواقع”.
وأضاف: “أما بالنسبة إلى الضمانة والحصانة لهذا المجتمع عندما قال في هذا الحديث المتواتر المشهور من المسلمين إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنّ تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، لأن التمسك بهما هو النجاة، والتمسك بأحدهما ليس ضمانًا من العذاب، وليس فوزًا بالجنة”، مشيرًا إلى أنّ “الذي يريد أن يكون من أهل الصلاح وأن يكون مع النبي “ص” ومع الأنبياء يوم القيامة عليه أن يتمسك بالثقلين، يأخذ بما ورد في كتاب الله من الأوامر ويترك ما نهى عنه، ويلتزم بما ورد عن أئمة أهل البيت “ع” الذين جسدوا القرآن على أرض الواقع أيضًا، ونقلوا الأحاديث الصافية النقية عن جدهم رسول الله “ص”، وابتعاد المسلمين عن أرض الواقع، ووصولهم إلى درجات متدنية بين المجتمعات هو بسبب تخليهم عن هذين الركنين وهذين الثقلين أو عن أحدهما على الأقل، لذا أكّد النبي “ص” ما إن تمسكتم بهما معًا حينئذٍ نأمن الضلالة ويمكن أن ندعي الفوز”، مؤكّدًا أنّ “هذا ما أراده نبينا “ص” حتى نفوز بدرجات عليا، وأن نكون مع الأنبياء والمرسلين الأئمّة المعصومين سلام الله علیهم أجمعين علينا الأخذ بهذه التعاليم والالتزام بها وتجسيدها على أرض الواقع حتى نلقى هذا الفوز الكبير عند الله عز وجل”.
ولم تكن وفاة الرسول “ص” حدثًا عاديًا في تاريخ الإسلام وحياة المسلمين، فمع رحيله خفقت القلوب وانتشر خبر وفاته في المدينة انتشار النار في الهشيم، ودخل الناس في حزن وذهول، وكانت صدمة عنيفة هزّت وجدان المسلمين، فهذه الوفاة شكلت منعطفًا حادًا في مسار الأمة وتوحدها، ولكن رغم كل ما كان بعد وفاة رسول “ص”، إلا أنّه عليه السلام لم يترك بابًا للعلم إلا وفتح طريق الناس إليه، وأوضح خلال حياته كل ما على المؤمنين القيام به للنجاة، فكان فعلًا ذو خلقٍ عظيم بالقول والفعل، قلبه على الأمة وعقله مشغولٌ في النهوض والسير بها نحو نعيم الإسلام وكراماته، لينالوا الفوز العظيم يوم الفزع الأكبر.
مهدي سعادي – شفقنا