خاص شفقنا- بيروت-
إضراب شامل عمّ الكيان الإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية، تعبيرا عن الامتعاض الكبير بما تسبّبت به حكومة الاحتلال بمقتل ستة أسرى لدى حماس في قطاع غزة، ممّا دفع بالمعارضة السياسية والنقابات الاقتصادية والعمالية لإعلان الإضراب الشامل والنزول إلى الشارع، فهل سيشكّل هذا التحرّك ضغط على رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وبالتالي الذهاب نحو إبرام صفقة تبادل؟
المحلّل والكاتب السياسي ياسر حريري اعتبر في حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، أنّها ليست المرّة الأولى التي يتحرّك فيها الشارع الإسرائيلي بشأن الأسرى، فأهالي الأسرى الإسرائيليين كانوا دائما يقومون بنشاطات، إلّا أنّ هذه المرة جاءت عبر تحرّك النقابات بعد الكشف عن قتل الجيش الإسرائيلي لستة من أسراه بينهم أميركي، وهي مجموعة كبيرة من الأسرى، وبالتالي هناك أزمة حقيقية في الشارع الإسرائيلي، فأفكار نتنياهو باتت واضحة للجميع بأنّ هذا الرجل لا يريد صفقة تبادل بل يريد احتلال قطاع غزة، بدليل أنّه عيّن حاكم مدني لإدارة هذا القطاع من الناحية العمرانية والإنمائية والمساعدات الغذائية، وهذا التعيين جرى الأسبوع الماضي، ما يعني أن نتنياهو يريد السيطرة الكاملة على القطاع، ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الحديث عن عدم وجود مشروع واضح لليوم التالي لدى نتنياهو لقطاع غزة هو أمر غير صحيح، بل هناك رؤية خاصة له تتلخّص باحتلال القطاع والسيطرة على معابره، وهذه أفكار قديمة لنتنياهو ينفّذها دون أي تردّد.
وأضاف حريري: “المشكلة الأساسية أنّ هناك معارضة إلى الآن لم تثبت في داخل الكيان الصهيوني أنّها قادرة على التأثير على حكومة وتحالفات نتنياهو، هذه التحالفات تتماهى بشكل كبير مع نتنياهو في خططه بتدمير قطاع غزة، وفي الذهاب إلى حرب تدميرية في الضفة الغربية، كما أنّ تحرّك الشارع الإسرائيلي اليوم بهذا الزخم، بالتقدير الأوّل الجيش يقف وراءه”، متسائلا عن بقاء هذه التحركات لكن السؤال هل سيبقى هذا الشارع حاضر هكذا؟ إذا ظل حاضرا بهذه الوتيرة نعم يمكن رؤية متغيّرات استراتيجية وكبرى على مستوى الداخل الإسرائيلي، وتحديدا في موضوع محور فيلادلفيا، والأيام المقبلة هي ستحدّد”.
هل سيستجيب نتنياهو للمعارضين من شعبه؟
ومن التساؤلات الأبرز التي طرحت منذ يوم أمس هل سيرضخ نتنياهو لمطالب شعبه؟ أجاب حريري: “إلى اليوم نتنياهو يضع شروطا تلوى أخرى، ومن الأمور الملاحظة أنّ الأميركي كلما أعلن عن صفقة، والمصري والقطري كلما أعلنا عن تقدّم إيجابي في المفاوضات، فجأة يضع نتنياهو شروط جديدة، بدليل مبادرة الرئيس الأميركي بايدن التي تبنّاها مجلس الأمن ووافقت عليها حماس، وفي التقديرات والمعلومات استفسرت حماس حول خطة بايدن وقرار مجلس الأمن، وكان الجواب أنّ هذه الاستفسارات بالنسبة للإسرائيلي مقبولة، ما أن وصلت هذه الرسائل إلى حماس حتى وضع نتنياهو شروطا جديدة، أوّلها الاحتفاظ بمعبر فيلادلفيا الذي هو معبر رفح، ورئيس حكومة الاحتلال يريد السيطرة على المعابر (فيلادلفيا، نتساريم، كرم أبو سالم) ليرخي بقبضته الحديدية على كامل قطاع غزة”، مشيرا إلى أنّ الشرط الوحيد الذي قد يرضخ نتنياهو لإجراء صفقة هو إذا استطاعت المعارضة الإسرائيلية الضغط في الشارع بشكل ضخم كما حصل أمس، ولكن اذا انتهى تحرّك الشارع عند الأمس وعاد الأمر إلى التصريحات فقط، عندها نتنياهو لن يذهب إلى صفقة بشكل مباشر.
“حرب وجودية بالنسبة للكيان”:
هذا التصعيد العمّالي والاقتصادي في الشارع يعدّ سابقة في تاريخ الكيان، وبالطبع سيؤثّر على الانقسامات الداخلية السياسية بين الأطراف، إضافة إلى الوضع الاقتصادي للكيان العبري، وفيما يتعلّق بالانقسام السياسي رأى حريري أنّه حول نقاط محددّة، تتلخّص بأنّه على نتنياهو الذهاب إلى صفقة وتحرير ما تبقّى من الأسرى أحياء، بدل أن يأتي كل أسبوع أو أسبوعين بمجموعة منهم أموات، خاصة أنّ الذي يقتلهم هو الجيش الإسرائيلي.
أمّا في الشقّ الاقتصادي فلفت الكاتب السياسي إلى أنّه بحسب التقارير التي أعلنتها المؤسسات المالية الدولية، تدنّى تصنيف الكيان إلى مستويات حسّاسة وخطرة، فمئات الشركات الضخمة منها شركة “انتل” الاميركية قامت بصرف موظفين وإقفال مكاتبها، اذا الاقتصاد الإسرائيلي في وضع مزري، سواء فيما يتعلّق بالشيكل أمام الدولار، أو الزراعة والتجارة، أو الاستيراد والتصدير، أو الهجرة، الاحتلال يتحدّث عن أكثر من 4 مليار دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة، تكبّدها الاقتصاد نتيجة تداعيات هذه الحرب وتعنّت نتنياهو.
وختم حريري بالقول: “القضية اليوم أكبر من خسائر اقتصادية، بل هي استراتيجية نتنياهو والدولة العميقة للكيان، هي استراتيجية قائمة على أنّ هذه الحرب وجودية، وبالتالي الخسائر الآن التي يشهدها الكيان الصهيوني برأي هؤلاء يجري التعويض عنها بعد انتهاء الحرب وتحقيق أهداف استراتيجية، وحقيقة الموضوع ليس فقط القضاء على حماس والمقاومة في غزة، بل إعادة رسم خريطة “إسرائيل” الكبرى، ممّا يطيح بكل ما كتب عن “أوسلو” و”وادي عربة” و”كامب ديفيد”، وبالتالي لن يتراجع نتنياهو عن أفكاره إلّا في حال كان الشارع الإسرائيلي حاضرا 24/24 ساعة على الأرض”.
وفاء حريري – شفقنا