خاص شفقنا- بيروت-
يلاحظ للجيش الإسرائيلي رفع حدة ضرباته على جبهة الإسناد اللبنانية، حيث ينفذ أحزمة نارية مع استهداف كبير للمدنيين داخل القرى والبلدات، إضافة إلى ضم عدد من المناطق الجديدة إلى دائرة عدوانه، هذا الأمر جاء موازيا مع إطلاق قادة الاحتلال لسلسلة تهديدات بضرورة شن عملية عسكرية واسعة على المقاومة في لبنان، وكان الحديث عن سيناريوهات عدة منها الدخول بريّا، من أجل إعادة بسط الأمن شمالا وعودة المستوطنين، فهل يكون ذلك من باب التهويل والعجز أم أصبح أمرا واقعيّا لا بد من مواجهته؟
التهديدات الإسرائيلية للبنان ليست بجديدة، فمنذ بداية العدوان الاسرائيلي على غزة وفتح جبهة الإسناد من جنوب لبنان، يحاول الاحتلال الضغط على الحكومة اللبنانية وحزب الله لوقف هذه الجبهة، ولكن التصعيد الأخير سواء الكلامي بالتهديدات أو العملاني الميداني على أرض الواقع، له رسائل عديدة هذه المرة وهي أوّلا رسالة إلى حزب الله بأنّ الاستمرار بجبهة الإسناد سيدفع الاسرائيلي إلى توسيع دائرة الاستهداف والعدوان على قرى الجنوب، وأنّ بيئة المقاومة ستدفع ثمنا إضافيا في هذه المواجهة، طالما هناك عمليات عسكرية ضد الكيان ومستوطنات الشمال، بحسب الصحافي والكاتب السياسي محمد حمية خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”.
واعتبر حمية أنّ الاحتلال يحاول فرض معادلة بأنّه إذا أراد حزب الله الاستمرار في العمليات العسكرية وتهجير المستوطنين ومنع إعادة الأمن لمناطق شمال فلسطين المحتلة، عليه أن يدفع مزيدا من الأثمان في بيئته وجمهوره وأهله في قرى الجنوب، وعليه حمل فاتورة تدمير جديدة لقرى ومناطق جديدة، كون الاحتلال يهّدد بتوسيع دائرة المواجهة، كما يستخدم الاحتلال هذا التصعيد أيضا للضغط على الحكومة اللبنانية لكي تضغط بدورها على حزب الله في هذا الإطار، من فرض ترتيبات حدودية معيّنة تؤمّن الضمانات الأمنية من أجل إقناع المستوطنين بالعودة، لأنّ المستوطنين يرفضون العودة قبل ضمانات حسية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة.
أمّا الرسالة الثانية، من التصعيد موجّهة إلى الداخل الإسرائيلي، فالمستوطنون في الشمال يئنّون من ضغط العمليات النوعية للمقاومة، هذه رسالة بأنّ الحكومة تسعى بكافة الوسائل والإمكانات من أجل عودتهم، خاصة أنّ نتنياهو قد وعد مرارا بالعودة قبل موسم المدارس، اليوم حلّ شهر أيلول وسينتهي بينما العمليات العسكرية للمقاومة مستمرة، إذ يؤكّد مسؤولون في قيادة المقاومة أن جبهة الجنوب كانت ولازالت وستبقى مرتبطة بالعدوان على قطاع غزة، ولن يستطيع الاحتلال استعادة الأمن بأي عدوان إلّا بوقف العدوان على غزة.
وتابع حمية: “التصعيد موجّه أيضا داخليا لرفع معنويات الجيش الإسرائيلي الذي يتكبّد خسائر كبيرة، حيث يتم استهداف أهم مراكزه وقواعده العسكرية والاستخباراتية في كافة مناطق الشمال، وموجّه للحكومة الإسرائيلية وللإئتلاف الحكومي، نتنياهو يحاول احتواء المطالبات من أركان حكومته، لاسيّما التيار الديني المتشدّد المتمثّل ببن غفير وسموتيريش، حيث يطالب التيار الجيش الإسرائيلي بالتحرّك باتجاه لبنان وشن حرب شاملة لإعادة المستوطنين والأمن إلى الشمال”.
وأمام استغلال رئيس حكومة الاحتلال لمنصبه من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، هل يتهوّر نتنياهو ويقوم بحرب واسعة على لبنان؟
رأى حمية أنّ الاسرائيلي لطالما كان لديه أطماع ونوايا خبيثة وخطط جاهزة للعدوان على لبنان، ولكن هل يجرؤ على اتخاذ هذا القرار؟ في ظل المتغيّرات في المنطقة، وبعد هزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة ورفح، وانضمام جبهات جديدة للجبهات السابقة من الضفة الغربية وتعزيز الأمن على الحدود الأردنية – الفلسطينية، ووجود عمليات منفردة في القدس، إضافة إلى الرسالة النوعية التي وجّهها أنصار الله في اليمن، عبر الصاروخ الذي وصل إلى تل أبيب، وحتى الآن لم يعرف القادة العسكريون والأمنيون ماذا جرى ذلك اليوم، كما أنّ الجيش الإسرائيلي أصيب بالإنهاك والتعب ولم يعد يستطيع خوض جبهة جديدة، خاصة مع حزب الله حيث ستكون فوق طاقته.
وأضاف: “قرار العدوان الشامل على لبنان ليس إسرائيليا فقط، بل هو قرار أميركي يتعلّق بالحسابات والقدرة الأميركية في المنطقة، خاصة أنّ الولايات المتحدة الاميركية أمام انتخابات رئاسية فاصلة وحاسمة تقرّر الكثير من الملفات المستقبلية، بالتالي ليس من مصلحة الاميركيين خوض حرب في المنطقة، ونحن كمراقبين نلاحظ تغيّر في المصطلحات المستخدمة لدى قادة الاحتلال، فلم يعد الحديث عن إعادة لبنان إلى العصر الحجري، أو عن الحرب بمعنى الحرب الشاملة على لبنان، أو إبعاد حزب الله بنحو 10كلم عن الحدود، أو عن تدمير القدرات الصاروخية لحزب الله، بل استبدلوا هذه العبارات بعبارات مواصلة السعي لتأمين عودة المستوطنين الآمنة، مع خفض سقف الأهداف الإسرائيلية”.
وختم حمية بالقول: “لو كان العدو يملك القرار بشن حرب شاملة على لبنان، ولديه القدرة والإمكانات وضمانات بتحقيق انتصار حاسم في هذه الحرب، وأنّه يستطيع من خلال هذه الحرب الشاملة إعادة المستوطنين لما أطلق كل هذه التهديدات، لقد كان لديه فرصة ذهبية عند رد المقاومة على اغتيال القيادي فؤاد شكر في 24 آب الماضي، كان يملك ذريعة استهداف حزب الله لعمق الكيان وهو تل أبيب، ممّا يعكس انكفاءّ وتهرّبا من خوض حرب شاملة، وقد قال سابقا السيد حسن نصر الله أنّ أي عدوان إسرائيلي شامل على لبنان لن يعيد 250 ألف مهجّر من الشمال، بل سيرتفع هذا العدد وربما يصل إلى مليون نازح مستوطن”، لذا اعتبر حمية أنّ لبنان ليس أمام حرب شاملة، بل هناك جولة تصعيد وحرب اغتيالات، وقصف لما يدّعيه الكيان أنّه مرابط ومنصّات صواريخ لحزب الله، هكذا سيكون سقف الأمور أقلّه حتى الانتخابات الأميركية.
وفاء حريري – شفقنا