خاص- الانفراج الفكري ومكافحة الغلو في عصر الإمام الصادق “ع”

380

خاص شفقنا- بيروت-
اعتبر عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام عهد الانفراج الفكري لمدرسة أهل البيت، وذلك لاستفادة الإمام الصادق “ع” من ضعف وانهيار الحكم الأموي سنة 132هـ، والبداية الضعيفة لدولة بني العباس في ترسيخ علوم أهل البيت “ع” وحفظ الدين المحمدي الأصيل.

وفي هذا السياق، أشار السيد ربيع هاشم في حديث خاص لوكالة “شفقنا” إلى أنّ عصر الإمام الصادق “ع” سمح له أن يظهر علوم أهل البيت عليهم السلام بسبب المرحلة الانتقالية في الحكم ووجود خلاف قوي بين بني أمية وبني العباس، والناس كانت منشغلة بجو الثورة والحرب والقتال، لذلك استفاد الإمام “ع” من هذا الأمر وعمل على نشر فكر أهل البيت “ع””، مشيرًا إلى أنّه “بعد انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، وأي دولة ناشئة تحتاج لوقت بعد بدايتها ليشتد عودها وتصبح قوية، فكانت الدولة العباسية لا تزال ضيعفة، فكان الإمام في هذه الأوضاع يعتمد على مجموعة من الأصحاب لحمل فكر أهل البيت “ع” والمحافظة عليها”.

وتابع: “الإمام “ع” حمّل هؤلاء الأصحاب هذا العلم بقدر ما يستطيعون، وأسس مجموعات كبيرة منهم، لذلك ترى أن أغلب الأصحاب يروون عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وكرس هذه المجموعات ومدحها ، وبالفعل قد حمل هؤلاء الأصحاب الشريعة المقدسة وعانوا الأمرّين، فالبعض منهم كان يحتمي بالكهوف هربًا من ظلم وجور الحكام، وكل ذلك من أجل الحفاظ على هذه الشريعة”، لافتًا إلى أنّ الإمام “ع” “جعلهم وسطاء بينه و بين الشيعة، بل بينه وبين كل المسلمين، وليس فقط الشيعة بل حتى بعض غير الشيعة استفاد من الإمام الصادق “ع” وعلمه وشرعه ودينه وعقائده”.

وقال السيد هاشم: “من المجموعات التي مدحها الإمام “ع” كما في صحيح جميل بن دراج قال: “سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث المرادي وأبو بصير بن البختري المرادي الذي هو ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة بن أعين أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست”، وهذ يعني أنّ الإمام حمل هذه المجموعة هذا الأثر، حملهم الحلال أي الشريعة التي فيها الحلال والحرام، وهم بالفعل قاموا بإيصال هذه العلوم إلينا، وذلك واضح من خلال أنّ علماءنا تراهم دائمًا عندما يستشهدون بأحاديث غالبًا ما تكون هذه الأحاديث منقولة عن هؤلاء الأصحاب، سواء كانت عن الصادق أو عن الباقر “ع” “، الذين كانوا الصفوة”.

وأضاف السيد هاشم: “”صحيح سليمان بن خالد قال سمعت أبي عبد الله عليه السلام يقول ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وحديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلة، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا (يعني الشريعة والدين) هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلاله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة”، وهذا يعني أنّ الإمام ارتضاهم أمناء وحفاظ يمتلكون الأهلية والقابلية، فحملهم الأحاديث التي وصلتنا خاصةً عندما حاصر بنو العباس الإمام “ع” ومنعوا التواصل معه، فتحول عندها التواصل من الإمام مع شيعته إلى هؤلاء الأصحاب، فانتشروا في كل بقاع العالم ينشروا فكر الإمام “ع” وتعاليمه”.

الغلو في زمن الإمام الصادق “ع”

ومن أبرز المشاكل التي واجهت أهل البيت عليهم السلام ظاهرة الغلو، والتي تشكلت كتيّارات ومذاهب بشكل قوي في زمن الإمام الصادق عليه السلام، ومن هنا قال السيد هاشم: إنّ الغلو هو تيار من الناس الذي غالوا بالنبي “ع” والأئمة الأطهار “ع”، فأخرجوهم من حدود الخليقة، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، أي جعلوهم آلهة، بمعنى آخر أخرجوهم من حد الممكن وجعلوهم كأنهم مثل واجب الوجوب”.

وتابع: “الإمام الصادق واجه هذه المجموعات ومن قبله أيضًا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “ع” واجهها، ففي زمن الأمير “ع”مثلًا كان هناك شخص اسمه عبدالله بن سبأ، وهو كما يقول البعض كان من اليهود ومن ثم أسلم، فكان بن سبأ يقول بيوشع بن نون، الذي هو وصي من أوصياء نبي الله موسى، أمور عجيبة غريبة، فلما أسلم أيضًا كان يقول بالإمام علي “ع” أمور عجيبة غريبة، والإمام عليه السلام ليس فقط حذّر منه بل قتله، كما في صحيح شام بن سالم قال: سمعت أبي عبدالله عليه السلام يقول وهو يحدّث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال إنه لمّا ادعى ذلك، استتابه أمير المؤمنين (أي طلب منه أن يتوب ويتوقف عن قول ما يقوله وجعل الأمير “ع” إله) فأبى أن يتوب، فأحرقه بالنار ولعنه، كما ورد أيضا في صحيح ابان بن عثمان الذي قال: سمعت أبي عبدالله عليه السلام يقول: لعن الله عبدالله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عبدًا لله طائعًا، الويل لمن كذّب علينا، وأنّ قومًا يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم”.

وأردف السيد هاشم: “أيضا من بعض الفرق المغالية “الخطابية” الذين هم من جماعة أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بن أسد، وهو أيضًا كان مغاليًا، والإمام الصادق “ع” نهى عنه ولعنه كما ورد في صحيح عمران بن علي الحلبي الذي قال: “سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لعن الله أبا الخطاب، ولعن الله من قاتل معه، ولعن الله من بقي منه، ولعن الله من دخل قلبه رحمةً له”، وهذا يدل على مدى الأذية التي تسبب بها للإمام لأنّه كان يقول بالأئمة عليه السلام ما لا يرضاه الله، وبالتالي هذا الأمر يبعد الناس عن أهل البيت “ع”، وبدل أن يجذب الناس نحو الدين ينفرهم”.

وختم السيد هاشم بتلاوة مقطعٍ من وصية الإمام الصادق “ع” لأبي أسامة زيد الشحام الصحيحة السند لما فيها من أثر ومضمون عالٍ جدًا، والتي يوصيه فيها الإمام ويوصي أصحابه بكيفية العمل في الدين والدنيا وكيف يجب أن تكون الشخصية المؤمنة،”فيقول زيد الشَّحام: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: اقرأ من ترى أنه يطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام: وأوصيكم بتقوى اللّه عزّ وجلّ والورع في دينكم، والاجتهاد للّه، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلّى اللّه عليه وآله، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برَّاً أو فاجراً، فإن رسول اللّه كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعُودوا مرضاهم، وأدّوا حُقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدقَ الحديث وأدَّى الأمانة وحسُنَ خُلقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويُدخل عليّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإِذا كان غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعارُه وقيل: هذا أدب جعفر، فواللّه لحدّثني أبي أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، أدَّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تَسأل العشيرة عنه، ويقولون: من مثل فلان؟ إِنّه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث”.

إننا ونحن نعيش أجواء الولادة المباركة للإمام الصادق “ع”، لابد لنا أن نعي أهمية الإرث الذي تركه الإمام والدور العظيم الذي لعبه في المحافظة على هذا الإرث لتتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل، فما قام به الإمام أضاء على المسلمين نورًا من العلم، ومدّهم بحُزَم الأخلاق الفاضلة والقيم الصالحة، فساعدهم على المعرفة والتفقّه، ورفدهم بالعلوم المهمة، وفهم الأحكام التي تنتظم في مساراتها الحياة، لتغدو أكثر عدلًا وإنصافًا وإيمانًا.

مهدي سعادي – شفقنا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.