شفقنا- بيروت-
مِن “صُور” الى “مدينة الشَّمس / بعلبك” ، مروراً بـ “الضَّاحية”، هناكَ سحابةٌ مِن الدَّمِ، تَدَلّتْ منها عَناقيدُ هذه القَصيدة، مُعلِنةً أنَّ لبنان وحدَهُ كان وسيبقى “سيِّدَ الحَبَق”.
قِفْ وَحْدَكَ الْآنَ بَيْنَ النَّارِ وَالْغَرَقِ
يَا وَجْهَ لُبْنَانَ وَاقْرَأْ سُورَةَ الْفَلَقِ
وَاسْتَنْهِضِ الْعَزْمَ – كُلَّ الْعَزْمِ – فِي زَمَنٍ
ضَاعَتْ ثَوَانِيهِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْمَلَقِ
وَكُنْ كَمَا أَنْتَ دَوْمًا مُوْقِداً حُلُمًا
إنْ أَطْفَأَ اللَّيْلُ ضَوْءَ النَّجْمِ فِي الْحَدَقِ
فَكَمْ تَجَرَّعْتَ كَأْسَ الصَّابِ مُحْتَسِبًا
حَتَّى طَعِمْتَ النَّدَى فِي آخِرِ الرَّمَقِ
كَأَنَّكَ الْمَاءُ .. طَبْعُ الْمَاءِ فِيكَ.. وَهَلْ
يَمُوتُ مَاءٌ إذَا ماشِيبَ بالرَّنَقِ !
فَكُنْ كَمَا أَنْتَ دَوْمًا وَابْتَكِرْ أُفُقًا
نُجُومُهُ تَرْتَدِي سِيمَاءَ كُلِّ تَقِيْ
فَأَنْتَ كُلُّ هواءِ الْأَرْضِ كُلُّ شَذَى الـ
ــــــ ـزُّهُور كُلُّ رَبِيعٍ بالمُنى غَدَقِ
***
ياوَجْهَ لُبْنَانَ ياصبحَ الْبِحَارِ وَيَا
لَوْنَ السَّمَاءِ ويامَعْزوفَةَ الْغَسَقِ
يادُرَّةَ التَّاجِ – وَالتِّيجَانُ مِنْ خَشَبٍ
سِوَاهُ – فاشْمَخْ بِتَاجٍ بِالسَّنَا أَلِقِ
مَازِلْتَ رَغْمَ جِرَاحٍ فِيكَ شَاخِبَةٍ
تَسْعَى إِلَى الْخُلْدِ سَعْيَ الْعَاشِقِ الوَمِقِ
مُسْتَنْفِرًا كُلَّ مافي النَّفْسِ مِنْ جَلَدٍ
تُصَارِعُ النَّارَ فِي الْبَاحَاتِ والطُّرُقِ
يُضِيئُ جُرْحُكَ فِي الْمَيْدَانِ أَلْوِيَةً
مِنْ الدِّمَاءِ فَيَجْرِي الْمَجْدُ فِي نَسَقٍ
وَذَاك أَنَّكَ وَالآلامُ سَافِرَةٌ
عَلَى النِّصَال بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ تَثِقِ
فَكانَت الرِّيحُ أَحْلَى ما اعْتَصَبْتَ بِهِ
وَصَاعِقُ الْمَوْتِ أَضْحَى خَيْرَ مُنْتَطَقِ
كَأَنَّمَا الْحَرْبُ أَشْبَاحٌ تُطَارِدُهُا
فَمِنْ عَلَى رَبْوَةٍ تَعْدُو إلَى نَفَقِ
وَمَا كَلِفْتَ بِقَتْلٍ كُنْتَ تَدْفَعُه
بِالْقَتْلِ إلّا لِعَارٍ – ثَمَّ – لَمْ تُطِقِ
وَالْقَتْلُ حِينًا خَيارُ الصَّامِدَين لَهُ
إِنْ لَمْ تَعُدْ شُرْبَةٌ فِي كَفِّ ذِي شَرَقِ
***
لُبْنَانُ أَجْمَلُ وَحْي ٍ صَاغَهُ قَلَمٌ
قِلَادَةً تَتَدَلَّى مِنْهُ فِي الْعُنُقِ
قَدْ كَانَ رَغْم انْكِمَاشِ الضَّوْءِ فِي حَدَقِ الْـ
ــــــ ـمَسَاءِ أَغْرَقَ كُلَّ الشَّرْقِ بالأَلَقِ
وَكَانَ وَالْعِطْرُ فَيْضٌ مِنْ مَواسِمِهِ
يَروي شِفَاهَ حُقُولِ الْوَرْدِ بِالْعَبَقِ
لُبْنَانُ، لَا .. لَيْسَ يُطْوى فَجْرُ بَهْجَتِهِ
وَإِنْ تُكَبَّلَ جَفْنٌ مِنْهُ بِالأَرَقِ
وَلَوْ تَدَاعَى غُبَارُ الْكَاشِحِينَ عَلَى
مُرُوجِهِ فَسَيَبقى سَيِّدَ الْحَبَقِ
فَإِنَّهُ قُبْلَةُ الْغَيْبِ الَّتِي غُرِسَتْ
فِي سُرَّةِ الْبَحْر تَعْوِيذًا مِنْ الْقَلَقِ
وَإنَّهُ قَبْضَةُ النُّورِ الَّتِي عَجَنَتْ
ثَرَى الْجَنُوبِ بِطِيبِ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ
تَزهو الرَّمالُ انْتشاءً في سَواحلِهِ
كَأَنَّمَا لَوَّنَتْها رِيشَةُ الشَّفَقِ
فَكَيْفَ يَغْتَالَهُ بِالْحِقْدِ مُرْتَهَنٌ
لِهَيْكَلٍ مِنْ سَقِيمِ الفِكْرِ مُخْتَلَقِ
***
هَزَارُ لُبْنَانَ رَوْحُ الرُّوحِ ضَاقَ بِهِ
بُومانِ بُوْمُ يَهُودِيٍّ وَبُوْمُ شَقِي
كِلَاهُمَا نَهَلا مِنْ آسِنٍ عَكِرٍ
لكنَّ لُبْنَانَ غَيْرَ الطِّيبِ لَمْ يَذُقِ
تَجَمْهَرَ الْبَدْوُ وَالآتُونَ مِنْ عَمَهِ الشّـ
ــــــ ـتَاتِ طُرّاً لِخَنْقِ الصَّادِحِ اللَّبِقِ
لَكِنَّ لُبْنَانَ سمفوَنِيَّةٌ عُزِفَتْ
بِكُلّ لَحْنٍ سَمَاوِيِّ الصَّفاءِ نَقِيْ
قَدْ كَانَ مُتَّحِدًا بِالضَّوْء مُنْتَمِيًا
لِكُلّ نَبْعٍ بِفَيْضِ الْحُبِّ مُنْدَفِقِ
لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ حِيْنَ السَّرَابُ طَغَى
سِوَى حُسَامٍ بِكَفّ الثّأْرِ مُمْتَشَقِ
***
لا تَقتلِ الْوَرْدَ فِي أَكْمَامِهِ سَفَهًا
يَا أَيُّهَا (النَّتْنُ) مِنْ غِلٍّ وَمِنٍ حَنَقِ
فَرُبَّمَا أَزْهَرَتْ فِي كُلِّ سَاقِيَةٍ
خَمِيلَةٌ ساقُهَا بِالتَّضْحِيَاتِ سُقِيْ
تَنُثُّ عِطْرًا فَتَرْوِي كُلَّ مَنْقَبَةٍ
عَمَّنْ أَحَالُوا دُجَى الْعَادي إلَى مِزَقِ
وأَطْلَعوا الْفَجْرَ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ شُهُبًا
تَجْلُو النَّهَارَ فَيَجْرِي جَرْيَ مُسْتَبِقِ
هُمُ شَبَابٌ خُيُولِ الْفَجْرِ حَاطَ بِهِمْ
لَيْلُ الْغُزَاةِ فَقَالُوا لِلضُّحَى انْطَلِقِ
أَفِقْ مِنْ الْوَهْمِ وَاقْرَأْ كَرْبَلَاءَ لِكَيْ
تَرَى جُنُودُكَ أَبْطَالًا مِنْ الْوَرَقِ
اَلْمُحْتَمِينَ بِدَبّاباتِهمْ رَهَبًا
وَالنَّاكِصِينَ عَلَى الْأَعْقَابِ مِنْ فَرَقِ
فَلَا شَظَاياكَ أَلْوَتْ مِنْ جِرَاحِهِمُ
عِنْدَ النِّزالِ وَلَا اسْتَأْثَرْتَ بِالسَّبَقِ
أُفُقٍ مِنْ الْغَيْظِ.. ذَبْحُ الْمَاءِ فِي شَفَةِ الـ
ــــــ ــرَّبيعِ ليْسَ سِوَى ضَرْبِ مَنْ الْخَرَقِ
وَقَصْفُ طِفْلٍ بَهِيِّ الْحُلْمِ لَيْسَ سِوَى
جَرِيمَةٍ لُعِنَتْ فِي كُلِّ مُعْتَنَقِ
قَدْ رَاح يَجْمَعُ حِينَ القَصْفِ مُرْتَبِكًا
أَلْعَابَهُ بَيْنَ غَابَاتٍ مِن الْحُرَقِ
تَجَمَّدَ اللَّمْحُ فِي عَيْنَيْهِ وَانْصَعَقَتْ
أَطْرَافُهُ لِدَمٍ بِالْعُشْبِ مُلْتَصِقِ
قَدْ كَانَ ذَاكَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ عَالَمَهُ
فِي رِحْلَةِ النَّشْأَةِ الْأُولَى مِن الْعَلَقِ
هُنَاكَ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَنَامَ عَلَى
شَدْوِ الرَّصَاصِ .. وَحَتَّى الْانَ لَمْ يُفِقْ
________________________________-
***
عبدالله الخاقاني
تشرين 2 /2024م