خاص شفقنا-بيروت-
هو مخلّص البشرية من الظلم والفساد، وتحت رعايته وفي ظل دولته يسود العدل وتعلو راية الحق خفاقة، هو الموعود المنتظر وفي يوم ولادته تشتاق إليه قلوب مريديه ومحبيه، ويسرجون قناديل الانتظار لطلته البهية.
لذا علينا أن نشخص ما هي وظيفتنا السلوكية في زمان غيبته عليه السلام لنحظى برضاه ونكون مؤهلين للقاء الموعود والتشرّف بالتمهيد لدولة الحق؟
وفي هذا السياق قال الشيخ محمد حسين جَلّوس في حديث خاص لوكالة “شفقنا” إنّ “المؤمن بشكل عام وفي كل زمان من الأزمنة، عليه أن يتمسك بعقيدته ويحافظ على يقينه واعتقاده وإيمانه، ومن جهة أخرى عليه أن يلتزم بالتكاليف الإلهية التي بينها المعصومون (عليهم السلام) والتي بها سبيل نجاته”، لافتًا إلى أنّ “هذا التمسّك وهذا الالتزام يحتاج إلى عناية ورعاية أشد في زمن غيبة الإمام (عليه السلام)، لأن هذه الغيبة هي امتحان واختبار للمؤمنين كما بُيّن ذلك في الروايات، وكما ندركه بوجداننا أيضًا خاصةً مع تقدم الزمن يومًا بعد يوم، وإن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد هيئوا المجتمع الإيماني وسلّحوه بما يؤهله للنجاح في هذا الامتحان على المستويين الفردي والجمعي”.
وأضاف: “ونحن إذ نتكلم عن الوظائف والتعاليم السلوكية التي تأخذ بيد الفرد للنجاة والفوز بالسعادة في زمن غيبة الإمام (عليه السام)، يحضر أمامنا على رأس هذه الوظائف – وهي تعتبر الجامع لكثير من التكاليف – وظيفة تزكية النفس، أي التحلي بالصفات الحميدة والتخلي عن الصفات الرذيلة، وكما بيّنا آنفًا لإن كانت هذه الوظيفة عامّة ومطلوبة في كل زمان ومكان، إلا أنه عندما تكثر الفتن وتشيع الفواحش ويظهر المنكر تصبح هذه الوظيفة مطلوبة أكثر، وهذا يحتّم على الإنسان المؤمن التعلّم وطلب المعرفة”، مشيرًا إلى أنّ “تزكية النفس حقيقتها الخوف من الله والمراقبة من عدم تجاوز حدوده وهذا يتوقف على معرفة هذه الحدود، فهي تبعث على العلم والمعرفة وهذا العلم يحتاج الى مستقر وموضع يليق به وهي النفس المزكاة، فيشترط مقارنتها للعلم أيضًا”.
وتابع الشيخ جلوس: “إن دور تزكية النفس لا يقف هنا، بل هي باعث على العمل بالعلم، لأن العلم من دون عمل لا فائدة منه، ولعلّه من هنا ذكرت تزكية النفس متقدمة على العلم تارة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ، وذكرت متأخرة عنه تارةً أخرى كما في قوله: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}”.
وأردف الشيخ جلوس: “ممّا يزيد أيضًا في أهميّة مراعاة هذه الوظيفة أكثر في زمن غيبة الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)، هو أن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)، مدخرٌ لإقامة دولة العدل التي يملأ بها الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، والمؤمن في زمن غيبته ( عليه السلام)، يمني نفسه ويرغب بأن يكون من جند الإمام (عليه السلام) وأعوانه وأنصاره ويتشرف بهذا الشرف الكبير، وهذه منزلة عظيمة تستدعي من المؤمن أن يهيئ نفسه ويربيها ويروضها بما يتناسب مع الهدف الذي يسعى له ليحظى بهذا الفوز العظيم”، مؤكّدًا أنّ “كل ذلك يحتاج إلى مجاهدة وإرادة وصبر، إلا أن عاقبته اللطف والهداية، لأن الإمام روحي فداه وإن كان غائبًا عن أبصارنا، إلا أنه يرانا ونعتقد بوجوده واطلاعه علينا، فمن وجده يسعى لمثل ذلك يلطف به ويؤيّده ويسدّده، لأنّه وجه الله ومحط مشيئة الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }”.
ولفت إلى أنّه “يجب على كل فرد منّا أن يكون بسلوكه وأخلاقه وهديه زينًا لأهل البيت (عليهم السلام) ولا يكون شينًا عليهم، فيلتزم بتعاليم الشرع الشريف من أداء الفرائض وترك المآثم والفواحش، والتحلي بمكارم الأخلاق مثل الصدق وحسن الخلق وكف الأذى عن الآخرين والعفاف في القول والمظهر والسلوك وإعانة الضعفاء والفقراء واليتامى والمضطرين، والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام، فإن فيها رضا الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) ومسرّة الإمام (عليه السلام) وفي ذلك خير الدنيا والآخرة”، موضحًا أنّ الأئمة عليهم السلام حثّوا “شيعتهم على التعاون بما يقتضيه الولاء فيما بينهم بالبّر والتقوى والتواصي بالحق والصبر، وحذروهم من التشتت والتفرقة والتباغض”.
وأضاف: “كما أنهم (عليهم السلام) رغبوا الأغنياء اللذين وسع الله تعالى عليهم بالعناية والاهتمام بالفقراء والمحتاجين والمستضعفين والمضطرين، بأداء ما عليهم من الحقوق الشرعية وسائر ما تستوجبه حالات الاضطرار وتقتضيه شريعة الإحسان، فإن من أعان أحدًا من أوليائه كان ذلك عوناً له في ذلك، لأن هؤلاء كلهم عياله ولكن شاء الله سبحانه غيبته حتى حين”.
وختم الشيخ جلوس “وليعلم المؤمنون أن من أحسن انتظار إمامه (عجل الله فرجه الشريف) بمراعاة ما تقدم، كان ذلك دليلَ صدقه فيما يتمناه من إدراك الإمام (عليه السلام) والانصياع لأمره والنصرة له، ومن تمنى ذلك صادقًا فهو إن لم يكتب له الله سبحانه إدراكه وفق مقاديره فهو محشور مع من أدركه وأطاعه ونصره ومثاب بمثل ثوابه وذلك فوز عظيم”.
مكتب لبنان| شفقنا