خاص- بعد التهويل، هل دخل لبنان دائرة التصحّر؟

878
الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي

خاص شفقنا- بيروت-
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أنّ لبنان يشهد تغيّرا في المناخ ممّا سينعكس على الفصول الأربعة والثروة الطبيعية الموجودة فيه، وقد لوحظ شبه غياب لفصل الشتاء هذا العام كما عهده اللبنانيون في المواسم السابقة، من عواصف ومتساقطات، وعند تسليط الضوء على هذه المسألة من أجل تدارك الأمور، عمدت بعض وسائل الإعلام إلى التهويل على المواطنين بالقول إنّ لبنان دخل عصر التصحّر، فما مدى صحة هذه المعلومة؟

الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي وفي حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، أشار إلى أنّ هناك دراسات علمية قديمة للبعثة الجيولوجية الفرنسية التي عملت في لبنان من سنة 1928 إلى 1955، توصّلت إلى نتيجة بأنّ لبنان بلد المياه بالشرق الأوسط، بمعنى أنّ هناك شرق أوسط جاف قليل المياه ولبنان هو بلد المياه فيه، ولكن هل لدينا عجز مائي؟ أجاب زعاطيطي بـ “كلا، الدراسات عن الثروة المائية لدى لبنان قليلة ولكن الدكتور وجدي نجم (رحمه الله) أجرى دراسة علمية، حيث درس ثلاث محطات: مطار بيروت وزحلة وطرابلس، يعني منطقتان ساحليتان على البحر ومنطقة داخلية بسهل البقاع، وقام بأخذ كيول للأمطار من ستين سنة، ولاحظ أنّه أحيانا تأتي المتساقطات في السنة معدّلة، لنقول المعدّل 1، أحيانا تأتي السنوات شحيحة بنص المعدل، وهناك سنوات تكون ماطرة كمية الأمطار تكون زائدة بنسبة واحد ونصف المعدل، وبين النصف والواحد – والواحد ونصف من ستين سنة للآن لم تتغيّر معدّلات الأمطار في لبنان، وبالتالي لا يمكن الحديث لا عن تصحّر ولا عن جفاف ولا عن تغيّر مناخي”.

وأضاف: “التغيّر الوحيد الذي أثبته الدكتور وجدي نجم علميا هو زيادة درجة الحرارة درجتين ونص عما كانت عليه من 60 سنة بنفس المحطات: طرابلس وزحلة ومطار بيروت، هذا التغيّر الحراري والزيادة الحرارية ناتجة عن احتباس حراري عالمي وليس خاصا في لبنان، إذا نحن لسنا في عجز مائي، بسبب وجود ثلثي ثروتنا المائية داخل الجبال والمخازن الجوفية المتجددة سنويا”.

ماذا عن المتساقطات هذا العام؟

رأى زعاطيطي أنّه من الواضح أنّ هذه السنة شحيحة أي نصف المعدّل، فقد تأخّر قدوم الشتاء ولكن العواصف الثلجية كالعاصفة الحاصلة تعوّض عن هذا التأخير بتساقط الأمطار، الخطأ الذي وقع جاء من رئيس مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان الذي ربط ما حصل مباشرة بالمطر، ولكن الحديث العلمي جاء في تقرير الأمم المتحدة للتنمية الـ “يو ان دي بي” الصادر سنة 1970 بنيويورك، والذي أصدره أهم علماء وخبراء أوروبيون واليوغوسلاف، وكان بينهم بعض اللبنانيين، حيث أجروا الميزان المائي من أجل الحديث عن العجز، هؤلاء قالوا معدل المتساقطات على لبنان سنويا، يعني الامطار والثلوج، هو حوالي 10 مليار متر مكعب بالسنة، وبنفس الميزان هناك حوالي 30% من المياه السطحية تتخزّن داخل الصخور، الكربونات المسماة الكارست تتخزن بقلب هذه الصخور، وهي التي تغذّي الينابيع والأنهار الدائمة على مدار السنة، وبالتالي السؤال لماذا الينابيع لم تجف هذه السنة ومازالت تعطي مياه؟ لأنّ هذا خزين جوفي قديم.

أوضاع الآبار والسدود في بعض المناطق اللبنانية:

تقرير آخر صدر عن الأمم المتحده للتنمية يقول أنّ 30 مليار متر مكعب سنويا هي مياه جوفية، وهي مخازن ضخمة تتجدّد سنويا إذ لم يستفد منها ستذهب إلى البحر أو إلى الدول المحايدة، في لبنان جاءت السياسة المائية الخاطئة التي بنيت على قصص التخزين السطحي عبر السدود، هناك خمسة سدود فشلت، وأنهكت الدولة بديون وقروض وهدر بالخزينة، بحسب الخبير الهيدروجيولوجي، وقال: “السياسة المائية الحالية خاطئة 100%، لدينا مخزون جوفي مائي جيد جدا، والدليل ما قمت به في الجنوب بصيدا 15 شباط 1995 ، حيث جرّبت أحد الآبار المنتجة الذي يموّل صيدا وضواحيها، وحُفرت عدة آبار هناك وأصبحت كل صيدا وضواحيها الشرقية تشرب مياه جوفية متجدّدة سنويا دون تلوّث، وهي آبار شرق صيدا حوالي 90 ضيعة، والاستثمار فيها بتكلفة قليلة مقارنة بالسدود، سواء للبئر أو المضخة”. أمّا بالنسبة لمنطقة النبطية وضواحيها، 40 ضيعة، حُفرت آبار مياه جوفية في وادي فخر الدين سنة 1994، للآن لا يوجد بئر مالح ولا ملوّث ولا جاف، رغم أنّه من المعلوم أنّ الضيع لديها استهلاك مائي كبير بسبب ري المزروعات.

إذا المياه الجوفية هي كنز مائي دفين، ولكن هناك سوء إدارة من قبل وزارة الطاقة والمياه تجاه المخزون الجوفي الضخم، بسبب الفساد، مثل الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه والسياسة المائية وبناء السدود، اليوم هناك خمس سدود فاشلة: سد جنة، سد المسيلحة، سد بلعا، سد كنعان وسد القيسماني فوق حمانا بحسب زعاطيطي.

وأكّد الخبير الهيدروجيولوجي أنّه لا يوجد عجز مائي، فلبنان بلد المياه في الشرق الأوسط ولكن هناك سنوات شحيحة، كاشفا عن مشروع تأمين مصادر مياه جوفيه جديده لبيروت الكبرى، متسائلا: “لماذا نبني لبيروت سدود؟ بينما الحال يجب أن يكون كما صيدا والنبطية، يمكن أن يحفر لبيروت آبار على طول المرتفعات الشرقية لبيروت الكبرى، 60 كلم2 من المرفأ إلى خلدة، ومن خلدة إلى رأس بيروت، ومن رأس بيروت إلى خلدة، هذه المساحة بحاجة إلى مياه جوفية موجودة بالمرتفعات في وادي شحرور وبسوس وبليبل، هذه المناطق تحتوي على المخزن الجوفي الجوراسيك الذي سماكته 1500 متر وهو مياه للشفة، ومن خلال حفر الآبار تنزل المياه بالجاذبية على بيروت الكبرى.

وفاء حريري – شفقنا

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.