خاص شفقنا- بيروت-
لطالما كان أهل بيت رسول الله (ص) قدوة حسنة للناس على كافة الصعد الحياتية، ومنها التكافل بين أبناء المجتمع ومساعدة الفقراء وإغاثة الملهوف، واليوم نحن في رحاب الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم، وهو خير الأوقات للسير على خطى أهل البيت (ع) والتقرّب إلى الله تعالى، عبر النظر إلى عباده المحتاجين نظرة عطوفة.
سماحة الشيخ خليل رزق وفي حديث خاص لوكالة “شفقنا”، أشار في مسألة التكافل الإجتماعي إلى قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في وصيّته لولده الإمام الحسن (ع): “يا بنيّ اجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها”، فلفت سماحته إلى أنّ أمير المؤمنين (ع) يشير في هذه الوصية العظيمة والجليلة إلى واحدة من الأمور التي أكّد عليها الإسلام، وهي ضرورة أن يلتفت وينظر الإنسان إلى حاجات الآخرين على المستوى المعنوي وكذلك المادي، ذلك أنّ للفرد قيمته ومنزلته في أي مجتمع إسلامي، فالإنسان له حقوق وواجبات، وهذا الإنسان ينبغي أن يعيش بطمأنينة ورخاء، وأن لا يعيش بشقاء وحرمان، لذلك ينبغي على كل أفراد المجتمع أن يتضامنوا وأن يتنازلوا من أجل تأمين حاجات بعضهم البعض حتى يكون الجميع سواسية عند الله سبحانه وتعالى.
في المجتمع الإسلامي يهتم الأفراد ببعضهم البعض:
الإسلام يقول لكل مسلم أنت معني بشؤون المجتمع والاهتمام بمصالحه، لذلك ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه نقل عن رسول الله (ص) قوله: “من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم”، وعن رسول الله (ص) أيضا قوله: “الخلق عيال الله وأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على بيت سرورا”، من أهم وأبرز مزايا المجتمع الإسلامي أنّنا نجد فيه هذا التكافل وهذه الواجبات من المؤمنين تجاه بعضهم البعض، فالمجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي نرى فيه التجاوب العاطفي والأحاسيس الأخوية المتبادلة بين أفراده ممّا يجعلهم كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، كما ورد في بعض الأحاديث أنّهم كالجسد الواحد اذا اشتكى عضو تألّمت له سائر الأعضاء، فلا يجوز ولا ينبغي لأي مسلم أن يتغاضى عن الاهتمام بشؤون مجتمعه ورعاية مصالحه العامة والحرص على رقيه وازدهاره.
وتابع الشيخ رزق: “ومن وصايا رسول الله (ص) للمسلمين أنّه قال: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، وما من أهل قرية فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة”، هذه هي حقيقة المجتمع الإسلامي الذي أرسى دعائمه النبي الأعظم (ص) على قاعدة الالتفات والاهتمام بالآخرين وكل من يعاني مرارة الفاقة ومضض الحرمان، ومن خصائص الفرد داخل المجتمع الإسلامي أيضا أنّ الفرد منهم يتحسّس مشاعر الآخرين ويتطوّع من أجل إغاثتهم والتخفيف عنهم، شرف المؤمن أنّه يدعم ويسند الآخرين، وطبقا لدعوات أهل البيت (ع) الذين حثّوا على توقير وإكرام ورعاية الناس على المستوى المادي والمعنوي، وهذا التكافل إذا ما طبق في مجتمعنا أو في أي مجتمع سوف نجد أنّ أفراد هذا المجتمع هم أسعد البشر، وهم الذين يعيشون الرغد في العيش ولا شك ولا ريب بأنّهم مجتمع مثالي”.
التكافل الإجتماعي في فكر أهل البيت (ع):
وعلى ضوء قضية التكافل الاجتماعي، يمكن أن نسلط الضوء على بعض الوصايا التي أوصى بها الإسلام من أجل إيجاد هذا التكافل، والعنوان الأول هو ضرورة إطعام المؤمن وسقيه، وفي هذا يقول إمامنا السجاد (ع): “من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنا سقاه الله من الرحيق المختوم”، أيضا عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه الله بكل شربة سبعين ألف حسنة، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد اسماعيل”.
العنوان الثاني هو قضاء حاجة المؤمن، حيث أكّدت الروايات الشريفة على المسلمين في ضرورة قضاء حوائج بعضهم البعض، ويروي أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) واسمه المفضل يقول: “قال لي الإمام يا مفضل اسمع ما أقول لك واعلم أنّه الحق وافعله وأخبر به عليه إخوانك، قلت جعلت فداك وما عليه اخواني، قال الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم. ثم قال (ع) ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله تعالى له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا”، أيضا في حديث عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: “ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلّا ناداه الله تعالى عليّ ثوابك ولا أرض لك بدون الجنة”.
عنوان ثالث أيضا يمكن أن نشير إليه وهو قضية الالتفات إلى حاجة الآخرين من ناحية كسوتهم وإيجاد ما يحتاجون إليه من لباس في هذا المجال، يقول الإمام الصادق (ع): “من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه في قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى”، وهو قوله تعالى في كتابه الكريم: “وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون”، أيضا في حديث عنه (ع) يقول: “من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عري أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته، وكّل الله تعالى به سبعة آلاف ملك من الملائكة يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في السور”.
هناك عناوين متعدّدة يمكن أن نجدها في القرآن الكريم وفي الروايات الشريفة، كلّها تصب في إطار إيجاد مجتمع متكامل، هذا المجتمع هو الصورة المثالية والنموذجية التي أراد رسول الله (ص) من خلالها أن يبني مجتمعا، هذا المجتمع يتميّز عن سائر المجتمعات من خلال هذا التكافل وهذا التآزر وهذا التعاطف الذي يمكن أن نجده بين أفراد المجتمع الإسلامي.
وفاء حريري – شفقنا