رائعة جاسم الصحيح: الحرب حين تجيء …

2287
الشاعر جاسم الصحيح

شفقنا- بيروت-

الحربُ حين تجيءُ
تمحو الفرقَ ما بين السنابلِ والقنابلْ

والحربُ حين تُسِيءُ
تختطفُ البنفسجَ من حقول الورد
تختطفُ الوضوءَ من الجداولْ

والحربُ حين تُضِيءُ
تُطفِئُ شعلةَ الأحلامِ في دَمِنا
وأحلامَ المشاعلْ

والحربُ حينَ تفيءُ
تحتاجُ اعتذارًا باتِّساعِ (البحرِ)
عَلَّ خطيئةَ (الحيتانِ) تغفرُها (السواحلْ)

{ { {

عُذرًا لأعراسِ الحياةِ
فما سوى البارودِ يرقصُ
والصليلُ يدقُّ أوتارَ المقاصلْ

عُذرًا لأشجارِ الحقولِ
فحينَ يطغى الخوفُ
تذبلُ من مرونتِها مواويلُ العنادلْ

عُذرًا لأقدامِ النساءِ
فحيثُ يزدادُ الرصاصُ
تقلُّ أعدادُ الخلاخلْ

عُذرًا لأحلامِ البناتِ
فإنَّ أعناقَ المدافعِ لا تُذَلِّلُها المكاحلْ

عُذرًا لميعادِ الغرامِ
ففي زمان الحربِ
تعتذرُ الفراشةُ أن تطيرَ
وأن تحطَّ على الجدائلْ

عُذرًا لكلِّ حبيبةٍ
وقفتْ على نعشِ الحبيبِ
بِـمِلْءِ دمعتِها تُغازلْ

{ { {

وتَحِيَّةً للعاملِينَ بلا مُقابِلْ:

للدمعِ يمتصُّ الفجيعةَ
من شرايينِ الأراملْ

للآهِ مُتَّكَأً تنامُ عليهِ أنَّاتُ الثواكلْ

لضمادةِ الجرحى
تُطَبِّبُهُمْ وتذهبُ للمزابلْ

لمحاملِ الموتى
إذا ما قَوَّسَ الموتُ المحاملْ

للانتظار العائليِّ إذا تَأَخَّرَتِ الرسائلْ

للشعرِ يسألُ عن دمِ القتلى
وأحيانًا يُسائِلْ!

للمُوقِنِينَ -ولا يقينَ-
بأنَّ نجمَ الحربِ آفلْ

للطيِّبينَ العابرينَ
إلى السلامِ كما السنابلْ

لا يشتكونَ إلى الرَّحَى
ما كابدوهُ من المناجلْ

{ { {

تمضي المواسمُ
إِنَّما للحربِ موسمُها المُمَاطِلْ

والموتُ يزحفُ..
والحَمامُ لرعشةِ الطلقاتِ ماثلْ

والأرضُ يجرحُها ارتيابُ الرملِ..
تُوجِعُها احتمالاتُ الزلازلْ!

والأُفْقُ يغرقُ في الحديدِ
فتُخطِئُ الأنغامُ رحلتَها بمعراجِ البلابلْ!

والرعبُ نصفُ الحربِ
فيما نِصفُها الثاني
إشاراتٌ مُشَفَّرَةُ الرسائلْ :

وَردٌ برائحةِ الخطيئةِ..
عُشبةٌ في شكلِ قاتلْ!

وقتٌ بلا وقتٍ يمرُّ
فليسَ في الأيامِ طائلْ

فجرٌ عدائيُّ الملامحِ..
غيمةٌ في شكلِ بارودٍ..
غرابٌ يائسٌ آتٍ.. وأطيارٌ رواحلْ!!

{ { {

شاخَ الغرابُ
ونحنُ نبتكرُ استعارتَنا الجديدةَ للحِدادِ..
وألفُ صيَّادٍ يصوِّب باتجاه الحُبِّ
حيث الحُبُّ منقوشٌ على جِلْدِ الأيائلْ

لا بُدَّ من شِعرٍ إِذَنْ
إنَّ القصائدَ في ضمير الكونِ
شريانٌ من البشر المناضلْ

لا بُدَّ من شِعرٍ
يُهَيِّئُ للطيورِ هناكَ
أعشاشًا على شَجَرِ التفاؤلْ

لا بُدَّ من شِعرٍ
يُعيدُ مسيرةَ المعنى لسِكَّتِهِا القديمةِ
بعدما انقلبَ الطريقُ
فأصبحتْ فيهِ (الكلابُ تسيرُ) واثقةً و(تنبحُها القوافلْ)

والحربُ عاكفةٌ
وما زال الصليلُ بها
يُوَحِّدُ أبجدياتِ القبائلْ

والأرضُ في (الطوفانِ)…عاشرةً!!
وقد غَرِقَتْ خرائطُنا وحاقَ بفُلْكِنا المشحونِ (جوديٌّ) مُخاتِلْ

{ { {

جاسم الصحيح

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.