١-الشريان (الابهر) هو الشريان الاكبر في جسم الانسان.. وهو الشريان الرئيسي الذي يوصل وينقل الدم النقي والغني بالاوكسجين من القلب الى جميع انحاء الجسم ..يبدأ من القلب ثم يتفرع الى شرايين صغيرة فأصغر لتوزيع الدم على الجسد بحرص بالغ ..وانسياب وديع..
٢-شارع الرسول هو احد شوارع مدينة النجف القديمة (الولاية )..ويبدأ من مرقد الامام علي ع وينتهي بشارع عريض يتقاطع معه ..وعند خروجه من المرقد العلوي تتقاطع معه مجموعة من الازقة الضيقة والباردة .. والتي عليها أبواب دور وبيوت قديمة يسكنها طلبة العلم واساتذة الحوزة وبعض المراجع الكبار..
٣-ربما اختار المرجع الاعلى (إيجار)هذا البيت في هذا الزقاق الذي لايتجاوز عرضه مترين ..لقربه من القلب..ولضمان (غَرفة) صافية من نهر العلم المتدفق من تحت وسادة علي بن أبي طالب ع..قبل أن (تتنافس )عليه الازقة والشوارع..وربما ليسمع همس الامام قبل أن يباشر خطبته…وربما ..وربما..وهي كذلك
٤-وربما إختار طلبة العلم أن تكون بيوتهم لصيقة الحضرة العلوية..لقناعة روحية بأن الدرس يستمد طوله وعمقه من المكان الخاص الذي (يتخلل) المشاعر والروح وهو يوزع شحناته الروحية بسخاء على طول الجغرافيا ..
ولكن (الحس الانساني)
لايغادر القناعة ب(القرب الجغرافي) ..ونظرية الاقرب فالاقرب ..حتى لايبق بين القريبين(حجاب) فيتلاشيان بشغف الشوق الى أن يبعثا من جديد
ه-هناك طالب علم لايمل من سرد الروايات عن تأثره وسعادته وسر نجاحه …ويعزي ذلك كله الى هذا (الجار) والى نظرية (الاحتكاك) أسرع وسائل (العدوى) في عوالم الثقافة والتصوف والفقه والارواح..ولهذا هو يصر على هذا الجوار..لانه يحتك به كل صباح ومساء بالعين والعقل واليد واللسان..وكلها أزقة إنبوبية الى العقل والدماغ والقلب (تسقي و تسقى) ..والساقي يده لاتمل من توزيع أقداحها على الجار السابع فكيف بالجار الجنب والصاحب بالجنب ..وكلها تتطاير من الرحيق ..
٦-يفرح المارة وهم يأتون من العالم الى المرقد عبر شارع الرسول..حيث يتلفتون (بلا قصد) صوب زقاق المرجع الكبير…أو يسحبهم (عطر ) الفقه والتاريخ والافلاك والشعر والحديث والقرآن ..الى حيث تلتوي رقابهم تحية (للمكان وللمكين) ..وربما اعتقد البعض ان الدخول على باب العلم والحكمة ..لابد أن يتم عبر المرور على باب أصغر يتناسب مع قدراتهم و (كتطويع) للقدرات ان تمر من هنا ولو بعد حين ..
٧-أنهيت زيارة المرقد العلوي وسلكت شارع الرسول… ورحت أبحث عن سبب التسمية (شارع الرسول)..في سرحان تخيلي ..ربما لان الطريق الى الامام علي لابد أن يمر بشارع الرسول.. لكي لا تنحرف البوصلة عن مرادها المصيري..
وربما لان علي ع (يروي عطشه )من نهر الرسول فقط… ولايستطيع أي نهرْ آخر ان يرويه..وهو المتعود على زلال (الكوثر) المتدفق من بين أصابع الرسول …وربما حكاية .. وكناية..ورواية تنتظر أشواق المحبين…شارع …يتفرد بهذا الاسم ..ربما لأشياءٍ أخرى..
٨-وقفت ُأمام زقاق المرجع الاعلى..على الجهة الثانية من الشارع..لا يوجد ما يثير الانتباه…أو التكلف..أو الانبهار…أو الكلام..
ولكن رأيت كل من دخل الزقاق يمشي رويداً رويداً(لاريثٌ ولا عجلُ)..وهو يطأطأ رأسه (وقاراً) للزقاق والقاطنين فيه… وربما لعبير تسلل أنوف المارة فاستدارت رؤوسهم صوب (العطار)الذي يتطاير عطره بأجنحة التسابيح والأوراد من الشبابيك الصغيرة التي (تكيّف) الشمس والعطر و الذكريات..
٩-طول شارع الرسول..في قلوب المحبين (خطوة )…وفي عيون الشعراء (لكِ يا منازلُ في القلوبِ منازلُ) ..وفي عقول الفلاسفة (بين الجائز والوجوب).. ولدارسي الفقه (حدائق نظرة)..وفي نشرات الاخبار (شارع الحل السياسي).. وفي أدبيات الاحزاب(صمام أمان)..تستريح بظله حشود المتعبين والمتنافسين والطيبين على وسائد محشوة بريش الكتّاب والادباء من مختلف عصافير العالم ..من موسكو الى طنجة مروراً بالهند و القاهرة ..
١٠-هنا بيت المرجع السيستاني.. صاح أحد الشباب وهو يؤشر لأصدقائه صوب البيت..قبل أن ينتظم في صف طويل للسلام على المرجع و طرح سؤاله عليه..
كان المشهد (زاهداً) ..من الشارع الى الزقاق ثم البيت الى (الطلبة )..وكان المشهد (متنوعاً) من حيث جنسيات الزائرين (الهندي والعراقي والايراني والسعودي والبحريني واللبناني..)..
وكان المشهد يقترب من السحر..أو مزيجاً من الزهد والفن..وأنت تجلس بين يدي (أب ) يسكب من روحه في أرواح الاخرين ..ويعجن الفتوى بماء الرحمة..ليناولها للفقراء خبزاً ومحبة وارشادات طريق..
١١-شارع الرسول..للخارجين من الزقاق يبدو أوسع..والخطى أسرع..وهم يتهامسون فرط الحب الذي غمرهم..من انحناءة أب ..وحكمة جد..ووصية مرجع..
بعمر الوقت الزيارة خاطفة.. ولكن بمسافة الشوق هي طويلة ..وبلغة العيون هي بحر .. وبلهفة القلب هي حنين..وبأعصاب العقل هي غور..وبلمسة الكفين هي دفء..وبلسان الدعاء هي مطر ..
هذا ماتناثر من رذاذ الزقاق على أرصفة الشارع والعابرين..
يراه البعض حباً ..لايقبل المبالغة …ويتلذذه البعض (تواضعاً) قبل الدخول الى مرقد علي…
عباس الجبوري.


































