خاص شفقنا- بيروت-
رغم الطقس الحار والمخاطر العديدة، شهد طريق المشاية لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في أربعينيته تدفقًا مليونياً من الزوّار من مختلف الجنسيات، قطعوا المسافات سيرًا على الأقدام غير آبهين بالتحديات التي تعترض طريقهم. وقد ورد في لسان أهل البيت (عليهم السلام) ما يُظهر فضل هذه الزيارة وأهميتها، كما يمكن لمن لم يُوفّق إليها أن يكسب الأجر في هذا اليوم من خلال مشاركة الألم والمصاب الحزين مع سبايا آل الرسول (صلى الله عليه وآله).
وقال فضيلة الشيخ حسين نجدي في حديث خاص لوكالة “شفقنا”: “من أشهر الأحاديث الواردة في فضل زيارة الأربعين، حديث الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «علامات المؤمن خمس…»، وذكر منها: زيارة الأربعين. وقد فسّر بعضهم هذا الحديث على أنه يشير إلى زيارة أربعين مؤمنًا، لكن هذا التفسير لا يستقيم لا من الناحية اللغوية ولا من حيث المعنى، فالمراد هو زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين”.
وأضاف: “ورد في زيارة الحسين (عليه السلام) من الأحاديث والروايات ما لا يُحصى، وقد تحدّث أئمتنا (عليهم السلام) كثيرًا عن فضل الزائر، وعن أهمية زيارة الحسين (عليه السلام) بشكل عام، فهي دليل على الموالاة، وعلامة على الإيمان. فالحسين (عليه السلام) لم يبخل بروحه ودمه في سبيل استنهاض الأمة، فكيف نبخل نحن عليه بزيارته، أو بالبكاء عليه، أو بإقامة شعائره، أو ما شابه ذلك من مظاهر الإخلاص والولاء وعرفان الجميل لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؟”.
وتابع سماحته: “قد يتساءل البعض: لماذا البكاء؟ وهل له فلسفة؟ فنقول: الدموع شعار الوفاء، وإنّ الخيانة أقبح صفة. تمرّ القرون وتبكي العيون، وهيهات أن ننصفه؛ فقليل بحق الحسين (عليه السلام) الدماء، فما قيمة الدمع الذي نذرفه، وما قيمة المشي في سبيله، وما قيمة كل هذه الأعمال أمام عظمة ما قام به، وسمو نهضته، وما بذله في سبيل الله من أرواح زاكية ودماء غالية”.
وعن فضل زيارة الأربعين مقارنة بغيرها، قال الشيخ نجدي: “إنّ الأحاديث الواردة في خصوص زيارة الأربعين قليلة نسبيًا مقارنة بما ورد في زيارات أخرى، كزيارة الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء أو في يوم عرفة، حيث ورد أنّ الله ينظر إلى زوّار الحسين يوم عرفة قبل أن ينظر إلى زوّار بيته الحرام. ومع ذلك، فإن زيارة الأربعين تندرج ضمن عنوان زيارة الحسين عمومًا، ومن هنا تكتسب فضلها وأهميتها، ويكفي أننا من خلالها نؤدي شعيرة عظيمة”.
كيف يمكن كسب أجر هذا اليوم عن بُعد؟
أمّا من لم يتمكّن من أداء هذه الزيارة، أو من زيارة الحسين (عليه السلام) عمومًا، بسبب ظروف مادية أو صحية أو أمنية، فيكفيه أن يزوره من بعيد. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لمسمع بن عبد الملك البصري:
«يا مسمع، أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين فتزوره؟»
فقال: جعلت فداك، إني مشهور وأخاف أن يُرفع أمري إلى السلطان.
فقال له الإمام (عليه السلام): «أما تذكر ما صُنع بالحسين؟»
قال: بلى، وأستعبر لذلك حتى يظهر أثر الحزن في وجهي ويعرفه أهلي.
فقال له الإمام (عليه السلام): «رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، وسترى حضور آبائي عندك إذا حضرك الموت، يوصون بك ملك الموت حتى يكون أشفق عليك من الأم الشفيقة على ولدها».
وأشار الشيخ نجدي إلى أنّه من لم يتمكّن من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين أو في غيره، يمكنه التعويض عن ذلك بإظهار الحزن عليه، وإقامة عزائه، وفعل كل ما يدل على الاهتمام بذكره، مثل: قضاء الحوائج على حب الحسين، أو التصدّق، أو الإطعام، أو السقي. فكل هذه الأعمال فيها أجر عظيم وثواب جزيل.
وأضاف سماحته: “يكفي أن يتأسّى الإنسان بالحسين (عليه السلام) في أخلاقه وسلوكه العملي، فهذا من أعظم أبواب الأجر والثواب، وهو الاقتداء بالحسين وأهل البيت (عليهم السلام)، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾. وإلا فما الفائدة إذا أقام المرء الشعائر من زيارة أو عزاء، وهو لا ينهج نهج الحسين، أو كان بعيدًا عن أخلاقه، قريبًا من أخلاق أعدائه؟”.
وختم سماحته بهذه الأبيات:
رحم الله شاعر العراق الكبير السيد مصطفى جمال الدين، حيث قال:
أنا لستُ شيعيًا لأن على فمي
ذكرُ الحسين أُعيد فيه وأُطنبُه
ولأن في قلبي عصارةَ لوعةٍ
لأَساه تذكرها العيونُ فتسكبُه
ولأن أمي أرضعتني حبَّهُ
ولأنه لأبي وجدي مذهبُ
لكنني أهوى الحسين لأنهُ
للسالكين طريقُ خيرٍ أرحبُ
وأحبُه لعقيدةٍ يفنى لها
دينٌ يغضبُ ودمٌ يُريقُ
لأنه يُغذي به جوعَ الضمائر إذْ
تجفُّ فتجدبُ
أأكون شيعته وقد أخذ الهوى
قلبي بغير طريقه يتنكبُ؟
أأكون شيعته إذا لقيته
وأنا لروحي يزيدُ منه أقربُ؟
وفاء حريري – شفقنا


































